الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
ففي البداية لا بد من التنبيه على أن الفردوس يطلق على الجنة عموما، كما يطلق على منزلة خاصة من الجنة.
قال ابن القيم ـ في تعداد أسماء الجنة ـ: الفردوس، قال تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً}، والفردوس اسم يقال على جميع الجنة، ويقال على أفضلها وأعلاها، كأنه أحق بهذا الاسم من غيره من الجنات، وأصل الفردوس البستان، والفراديس البساتين. اهـ.
وأما الطريقة لنيل الفردوس الأعلى من الجنة، فمنها: الشهادة في سبيل الله، ومنها: الدعاء, كما أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري أن أم الربيع بنت البراء، وهي أم حارثة بن سراقة أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا نبي الله؛ ألا تحدثني عن حارثة -وكان قتل يوم بدر، أصابه سهم غرب- فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك، اجتهدت عليه في البكاء، قال: يا أم حارثة، إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى. انتهى.
وفيه أيضا: إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة.
قال ابن حجر في فتح الباري: قوله: أوسط الجنة، وأعلى الجنة، المراد بالأوسط هنا الأعدل والأفضل، كقوله تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا، فعلى هذا، فعطف الأعلى عليه للتأكيد، وقال الطيبي: المراد بأحدهما العلو الحسي، وبالآخر العلو المعنوي، وقال ابن حبان: المراد بالأوسط السعة، وبالأعلى الفوقية. انتهى.
وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: لأن قوله صلى الله عليه وسلم: إذا سألتم الله، فاسألوه الفردوس الأعلى، خطاب لجميع أمته، يدخل فيه المجاهدون وغيرهم. فدل ذلك أنه قد يعطي الله لمن لم يجاهد، قريبا من درجة المجاهد؛ لأن الفردوس إذا كان أعلى الجنة، ولا درجة فوقه، وقد أمر صلى الله عليه وسلم جميع أمته بطلب الفردوس من الله؛ دل أن من بوأه الفردوس وإن لم يجاهد، فقد تقارب درجته من درجات المجاهد في العلو وإن اختلفت الدرجات في الكثرة، والله يؤتي فضله من يشاء. انتهى.
والله أعلم.