الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك الاشتغال بقراءة وحفظ القرآن الكريم، فإن الاشتغال بحفظ القرآن الكريم، والحرص على العمل به، والتخلق بأخلاق أهله أمر عظيم.
ويتعين الحرص على المراجعة، فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على مراجعة المحفوظ منه وتعاهده، والاهتمام به فقال: تعاهدوا القرآن، فو الذي نفس محمد بيده، لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها. متفق عليه.
وينبغي للمشتغل بالقرآن أن يحرص على تعلم تجويده، وانظري الفتوى رقم: 49673، والفتوى رقم: 1055.
وأما الإخلاص فهو مهم جدا، وبالنظر في فضائل حفظ القرآن، ومراقبة النية بإذن الله تسلمين من الرياء الذي تخشينه، ويتعين البعد عن ترك الاشتغال بالقرآن خوفا من الرياء؛ فإن ذلك من مداخل الشيطان.
فقد قال العز بن عبد السلام: الشيطان يدعو إلى ترك الطاعات، فإن غلبه العبد وقصد الطاعة التي هي أولى من غيرها أخطر له الرياء ليفسدها عليه، فإن لم يطعه أوهمه أنه مراء، وأن ترك الطاعة بالرياء أولى من فعلها مع الرياء، فيدع العمل خيفة من الرياء؛ لأن الشيطان أوهمه أن ترك العمل خيفة الرياء إخلاص، والشيطان كاذب في إيهامه، إذ ليس ترك العمل خوف الرياء إخلاص.. مقاصد الرعاية لحقوق الله عز وجل.
وقال ابن تيمية: وَمِنْ طَلَبِ الْعِلْمَ، أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ خير فِي نَفْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَحَبَّةِ لَهُ لَا لِلَّهِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِن الشُّرَكَاءِ، فَلَيْسَ مَذْمُومًا؛ بَلْ قَدْ يُثَابُ بِأَنْوَاعٍ مِن الثَّوَابِ. الفتاوى الكبرى.
وعليك بالنظر في مخاطر الرياء، والنصوص الواردة في الترهيب منه فإن ذلك من أعظم الزواجر عنه، ففي الحديث: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ، قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا، فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً. رواه أحمد.
وأما عن مسألة الجمال: فإن الإنسان أكرمه الله تعالى بحسن الصورة وجمالها، كما قال تعالى: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ {التغابن:3}، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ* فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ {الانفطار:6-8}، وقال تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ {التين:4}.
وروى أحمد في مسنده من حديث الشريد بن سويد الثقفي ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم تبع رجلا مِنْ ثَقِيفٍ، حَتَّى هَرْوَلَ فِي أَثَرِهِ، حَتَّى أَخَذَ ثَوْبَهُ، فَقَالَ: "ارْفَعْ إِزَارَكَ" قَالَ: فَكَشَفَ الرَّجُلُ عَنْ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنِّي أَحْنَفُ، وَتَصْطَكُّ رُكْبَتَايَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَسَنٌ"
ففي ضوء هذا الحديث، يتبين لك أن خلقتك مهما كانت فهي حسنة؛ لأنها خلق الله عز وجل، فعليك أن تستشعري فضل ربك عليك وتنظري إلى ما ميزك الله به من الخصائص وحباك من الفضائل، وأن الفضل عند الله ليس بمجرد الحسن والجمال، ولكنه بتقوى الله عز وجل، وباشتغالك بالقرآن والعلم وعملك به، تكتسبين الخيرية والفضل والجمال المعنوي الحقيقي، الذي يجعلك محبوبة عند الخلق، كما قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ {الحجرات:13}،
وفي حديث البخاري: خيركم من تعلم القرآن وعلمه.
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض.
وننصحك بالسعي في الزواج، وحمل النفس على العفة والاستقامة، والإكثار من الدعاء في أوقات الإجابة بأن ييسر الله لك كفؤا كريما يكون عونا لك على حفظ القرآن، والعمل به، وتغيير حياتك إلى الأفضل، ولا غضاضه على المرأة أن تعرض نفسها على من يرتضى دينه وخلقه، ويمكن أن يتم ذلك بطلبه بواسطة إحدى محارمه، ويمكن أن يكون بواسطة أبيها هي أو أخيها، كما عرض عمر بنته حفصة على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهم.
والله أعلم.