الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يغفر لها، وأن يعفو عنها، فإن كانت ألقت بنفسها من النافذة، وهي لا تتيقن الموت، بل تظن السلامة، أو تحتمل النجاة، فلا يعد فعلها هذا انتحارا، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 272515.
وأما إن كانت فعلت ذلك وهي تعلم أنها ستموت، وأنها بذلك تقتل نفسها، فلم يكن يجوز لها فعل ذلك. وليس التخلص من الفاحشة مبررا لقتل النفس، والإقدام على الانتحار. وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 19001، 34194، 22619.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: إذا ظنت المرأة المسلمة أن الأعداء الكفار سيعتدون على عرضها، فهل يبيح لها الإسلام أن تقتل نفسها بأي طريقة؛ صيانة لعرضها، وإخفاء لأسرار المجاهدين؟
فأجابت: لا يجوز لها أن تقتل نفسها، ولو خافت أن يقع بها ما ذُكر قهرا، وهي معذورة إن حصل ما خافت دون رضاها. اهـ.
وسئلت دار الإفتاء المصرية: عن امرأة مسلمة وقعت أسيرة في يد عدو أراد اغتصابها، وحاولت الدفاع عن نفسها وشرفها فعجزت، ويئست، فانتحرت حتى لا تمكنه من نفسها. فهل تعتبر شهيدة، أو منتحرة، وعليها عقوبة الانتحار؟
فأجاب شيخ الأزهر، ومفتي الديار المصرية السابق الشيخ حسن مأمون بمعنى ما سبق في فتوى اللجنة.
وجاء في مبادئ فتواه: لا يحل للمرأة المكرهة على الزنا بملجئ، أو بغيره، قتل نفسها لتنجو من عار الزنا. اهـ.
وجاء أيضا في فتاوى اللجنة الدائمة: لا يجوز لمن ابتلي بمرض، أو شدة إيذاء عدو، أو نحو ذلك، أن يقتل نفسه؛ لقوله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما. ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا}، وقوله عليه الصلاة والسلام: «كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله عز وجل: بادرني عبدي بنفسه؛ حرمت عليه الجنة» متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة» متفق عليه من حديث ثابت بن الضحاك الأنصاري، وإنما الواجب عليه الصبر، والتحمل، واللجوء إلى الله سبحانه، وسؤاله الفرج، وهو القائل سبحانه: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض} والقائل: {فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا}. اهـ.
وأما هؤلاء الشباب، فأمرهم إلى القضاء الشرعي، ينظر في حالهم، وملابسات الحادث، ويوقع عليهم ما يناسبهم من العقوبة. ولا توكل معاقبتهم إلى آحاد الناس، سواء أكانت تعزيرا، أو حدا، للحرابة أو غيرها.
وأما مسألة اعتبارهم من أهل الحرابة، فمثل هذه الحالات يفرق بين ما يقع منها على سبيل المخادعة والإسرار، وبين ما يقع على سبيل المكابرة والمجاهرة والمغالبة، فهذا الأخير هو الذي يمكن أن يوصف بالحرابة، المذكور في قوله تعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة: 33].
ولمجلس هيئة كبار العلماء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز، قرار في هذا الشأن، جاء فيه: إن جرائم الخطف والسطو لانتهاك حرمات المسلمين على سبيل المكابرة والمجاهرة، من ضروب المحاربة والسعي في الأرض فسادا، المستحقة للعقاب الذي ذكره الله سبحانه في آية المائدة، سواء وقع ذلك على النفس، أو المال، أو العرض، أو أحدث إخافة السبيل وقطع الطريق، ولا فرق في ذلك بين وقوعه في المدن والقرى، أو في الصحارى والقفار، كما هو الراجح من آراء العلماء رحمهم الله تعالى.
قال ابن العربي يحكي عن وقت قضائه: رفع إلي قوم خرجوا محاربين إلى رفقة، فأخذوا منها امرأة مغالبة على نفسها من زوجها، ومن جملة المسلمين معه، فاحتملوها، ثم جد فيهم الطلب، فأخذوا وجيء بهم، فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتين، فقالوا: ليسوا محاربين! لأن الحرابة إنما تكون في الأموال، لا في الفروج! فقلت لهم: إنا لله وإنا إليه راجعون! ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال؟! وأن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم، وتحرب من بين أيديهم، ولا يحرب المرء من زوجته وبنته، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة، لكانت لمن يسلب الفروج. اهـ.
وراجع للفائدة، الفتوى رقم: 267082.
والله أعلم.