الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن منعكم أبوكم عن زيارة عمكم وجدتكم، ولم يكن له مسوغ شرعي في ذلك، فلا تجوز لكم طاعته فيه، فالطاعة إنما تكون في المعروف، كما في الحديث المتفق عليه عن علي ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف.
وهو هنا قد أمر بمعصية، فصلة الرحم واجبة وقطيعتها محرمة، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، وقد ذكرنا جملة منها في الفتوى رقم: 43714.
فعليكم بصلة رحمكم من غير علم أبيكم، وبذلك تكونون قد جمعتم بين الحسنيين، وهذا شبيه بما نقله القرافي في كتابه الفروق: أن رجلًا قال للإمام مالك رحمه الله تعالى: إن والدي في بلد السودان وقد كتب إليّ أن أقدم عليه، وأمي تمنعني من ذلك، فقال له الإمام مالك: أطع أباك، ولا تعص أمك. اهـ.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية في تفسير هذه العبارة قولهم: يعني أنه يبالغ في رضى أمه بسفره لوالده، ولو بأخذها معه، ليتمكن من طاعة أبيه وعدم عصيان أمه. اهـ.
أي: التوفيق بينهما في ذلك بحيث يرضيهما معًا، وإن كان عمكم قد طرد أباكم من بيته من غير غرض مشروع، فقد أساء، ولكن لا ينبغي مقابلة الإساءة بمثلها، روى مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه: أن رجلاً قال: يا رسول الله؛ إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
وفي الختام نوصي بالسعي في الإصلاح وجمع شمل الأسرة، وبذل النصح لأبيكم بالحسنى، ولا سيما في قطيعته لأمه وعدم زيارته لها طيلة هذه المدة، فالإصلاح بين الناس من أفضل القربات وأجل الطاعات، وفيه الفضل العظيم، كما أوضحناه في الفتوى رقم: 50300.
ولا تنسوا دعاء الله تعالى، فإنه من أعظم ما يحقق به المسلم مبتغاه، والقلوب بيد الله تعالى يصرفها كيف يشاء.
والله أعلم.