الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن المياه في نظر الشرع على أقسام، منها ما يتملك ويصح بيعه، ومنها ما هو عام لا يملك، ولا يصح بيعه.
جاء في الفقه الإسلامي وأدلته: أنواع المياه أربعة: الماء المحرز في أوان خاصة، ماء العيون، والآبار ونحوها، ماء الأنهار، أو الجداول الخاصة، ماء الأنهار العامة.
النوع الأول: الماء المحرز في أوان خاصة: هو ما حازه صاحبه في آنية، أو ظروف خاصة كالجرار، والصهاريج، والحياض والأنابيب، ومنه مياه الشركات في المدن المتخصصة لتأمين ماء الدور. وهذا الماء ملك خاص لمن أحرزه، بالاستيلاء عليه ككل مباح يمتلك بإحرازه. فليس لأحد حق الانتفاع به إلا بإذن صاحبه، ولصاحبه بيعه، أو التصرف به كما يشاء، فقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الماء، إلا ما حمل منه. وخصص حديث المنع من بيع فضل الماء، بالقياس على جواز بيع الحطب إذا أحرزه الحاطب، لحديث الرجل الذي أمره النبي صلّى الله عليه وسلم بالاحتطاب؛ ليستغني به عن السؤال.
النوع الثاني: ماء العيون، والآبار، والحياض: وهو الذي يستخرجه الشخص لنفسه: وحكمه عند الحنفية: أنه ليس بمملوك لصاحبه، بل هو مباح في نفسه، ولصاحبه حق خاص فيه، سواء أكان في أرض مباحة، أو مملوكة؛ لأن الماء في الأصل مباح لجميع الناس؛ لقوله صلّى الله عليه وسلم: الناس شركاء في ثلاث: الماء، والكلأ، والنار. وقال الشافعية في الأصح عندهم: يملك الشخص ماء البئر المحفورة في الأرض الموات للتملك، أو المحفورة في ملك خاص؛ لأنه نماء ملكه، كالثمرة، واللبن، والشجر النابت في ملكه. ولا يلزم المالك عند الشافعية بذل ما فضل عن حاجته لزرع وشجر، ويجب بذل الفاضل منه عن شربه، وشرب ماشيته، وزرعه، لشرب غيره من الآدميين، ولماشية غيره، على الصحيح؛ لحرمة الروح، ولخبر الصحيحين: لا تمنعوا فضل الماء؛ لتمنعوا به الكلأ.
النوع الثالث: ماء الأنهار الخاصة: وهو ماء الأنهار، أو الجداول الصغيرة الخاصة المملوكة لبعض الناس، وحكمه كالنوع الثاني: فلكل إنسان الحق في الانتفاع به لنفسه ودوابه، وإن لحق به ضرر يسير؛ لأن الضرر الأشد، يزال بالضرر الأخف. ولكن ليس له أن يسقي منه زرعه وشجره، إلا بإذن صاحبه، فلصاحبه أن يمنع الغير من سقي الزرع والأشجار (حق الشرب) لأن له في مائه حقاً خاصاً. ولا يجوز لصاحبه عند الحنفية، بيع حق الشرب منفرداً، بأن باع شرب يوم، أو أكثر؛ لأنه عبارة عن حق الشرب والسقي، والحقوق لا تحتمل عندهم الإفراد بالبيع والشراء. لكنهم أجازوا بيع الماء المعلوم القدر، المحرز، أو المملوك، للشرب، لا للشفة (شرب الإنسان، والحيوان). كذلك أجاز المالكية، والشافعية، والحنابلة بيع الماء المملوك مستقلاً عن الأرض، وصرح الشافعية بأنه يشترط في بيع الماء تقديره بكيل أو وزن، لا بريّ الماشية، أو الزرع.
النوع الرابع: ماء الأنهار العامة: وهو الذي يجري في مجار عامة غير مملوكة لأحد، وإنما هي للجماعة، مثل النيل، ودجلة، والفرات، ونحوها من الأنهار العظيمة. وحكمه: أنه لا ملك لأحد في هذه الأنهار، لا في الماء، ولا في المجرى، بل هو حق للجماعة كلها، فلكل واحد حق الانتفاع بها، وشق الجداول منها، ونصب الآلات عليها لجر الماء لأرضه، ونحوها من وسائل الانتفاع بالماء. اهـ. باختصار.
وبناء على هذا، فإن كان الماء المسحوب من النهر، أو البئر غير المملوكة لأحد، قد تمت حيازته في خزانات، أو غيرها من الأوعية، فيجوز بيعه، ولا يتعين على صاحبه الاقتصار على أجرة المضخة.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 43788.
ونعتذر عن إجابة سؤالك الثاني؛ التزما بنظام الموقع، بالاكتفاء بإجابة السؤال الأول من الأسئلة المتعددة.
والله أعلم.