الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كانت صحبتك له في بادئ الأمر رجاء صلاحه، مع استمرارك في نصحه؛ فنرجو أن لا حرج عليك في ذلك إن شاء الله. ولمعرفة المقصود بالحديث الذي أشرت إليه أولا، راجع الفتويين: 153867،73705.
وقد أخطأ حين أساء بك الظن، فقد قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ...{الحجرات:12}.
وكان الواجب عليه التثبت حين بلغه شيء عنك؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ {الحجرات:6}، وإذ لم يتبين، كان الأجدر به أن يقبل ما قمت بشرحه، وبيانه له.
وشخص على هذا الحال ليس جديرا بأن تصحبه، وكان الواجب عليك نصحه حين سمعته يستهزيء بشيء من أمور الدين، فقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. وقد نص الفقهاء على أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، قد يتعين أحيانا، كما بيناه في الفتوى رقم: 43762.
وهجرك إياه مشروع في الأصل، وقد يجب أحيانا. والأولى أن تراعى فيه المصلحة الشرعية، كما ذكر أهل العلم، وانظر الفتوى رقم: 21837. والحديث الذي ذكرته أخيرا لا ينافي ما ذكرناه هنا؛ لأنه متعلق بالهجر لحظوظ الدنيا، وانظر الفتوى رقم: 28565.
والله أعلم.