الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الهمَّ بالمعصية مع العزم عليها معصية، وإن كانت دون معصية فعلها، لقوله صلى الله عليه وسلم: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه صحيح البخاري. وبناء على ذلك، فإن الأخ السائل لا يؤاخذ مؤاخذة اللائط، لأنه لم يفعل اللواط، لكنه يؤاخذ بمقدماته من نظر ولمس، ونحوها إن كان فعلها، فإن لم يكن فعل شيئاً من المقدمات أيضاً فلا شيء عليه من إثم هذه المعصية، لكنه لا يستوي مع من تركها خوفاً من الله تعالى، إذ الذي يتركها خوفاً من الله تعالى هو الذي تكتب له حسنة كاملة كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما الذي يتركها لعارض فلا إثم عليه فيها، لكنه يأثم على همه وعزمه. قال الإمام النووي يرحمه الله: قال القاضي عياض رحمه الله: عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين على ما ذهب إليه القاضي أبو بكر للأحاديث الدالة على المؤاخذة بأعمال القلوب، لكنهم قالوا: إن هذا العزم يكتب سيئة وليست السيئة التي همَّ بها، لكونه لم يعملها، وقطعه عنها قاطع غير خوف الله تعالى والإنابة، لكن نفس الإصرار والعزم معصية فتكتب معصية، فإذا عملها كتبت معصية ثانية، فإن تركها خشية لله تعالى كتبت حسنة، كما في الحديث: إنما تركها من جرائي صار تركه لها لخوف الله تعالى ومجاهدته نفسه الأمارة بالسوء في ذلك وعصيانه هواه، فأما الهم الذي لا يكتب فهي الخواطر التي لا توطن النفس عليها، ولا يصحبها عقد ولا نية وعزم، وذكر بعض المتكلمين خلافاً في ما إذا تركها لغير خوف الله تعالى، بل لخوف الناس هل تكتب حسنة قال: لا، لأنه إنما حمله على تركها الحياء، وهذا ضعيف لا وجه له. هذا آخر كلام القاضي وهو ظاهر حسن لا مزيد عليه، وقد تظاهرت نصوص الشرع بالمؤاخذة بعزم القلب المستقر، ومن ذلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:19]. وقوله تعالى: اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12]. وللفائدة راجع الفتاوى التالية: 22692، 22549، 3867.
والله أعلم.