الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الأولى بطالب العلم ما دام في بداية الطلب أن يبتعد عن كتب أهل البدع، وأن يقتصر على مراجعة كتب التفسير المعتمدة الملتزمة بمنهج السلف؛ كتفسير ابن جرير، وابن كثير، والبغوي، وغيرهم؛ فإن هذا العلم دين فينبغي أخذه من أهله، كما روى مسلم في صحيحه عن ابن سيرين قال: إن هذا العلم دين؛ فانظروا عمن تأخذون دينكم.
ولا حرج في الاستفادة من كتب الأشاعرة فيما لا خلاف بينهم فيه مع أهل السنة.
وأما عن المسائل الخلافية: فإن كانت متعلقة بالمسائل التي يجب تعلمها، فيجب معرفة الحق فيها واعتقاده، ومما يعين على ذلك نظر كتب التفسير المعتمدة، وسؤال الثقات من أهل العلم المعروفين بالتمسك بالعقيدة الصحيحة، وسؤال الله الهداية للحق؛ فقد ثبت عند مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها-: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في استفتاح قيام الليل: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
وأما ما لا يجب تعلمه واعتقاده، فلا يلزم التحقيق فيه ومعرفة الراجح، وقد سئل شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: ما الذي يجب على المكلف اعتقاده؟ وما الذي يجب عليه علمه؟ وما هو العلم المرغب فيه؟ وما هو اليقين؟ وكيف يحصل؟ وما العلم بالله؟
فأجاب: الحمد لله رب العالمين. أما قوله: ما الذي يجب على المكلف اعتقاده؟ فهذا فيه إجمال وتفصيل.
أما الإجمال: فإنه يجب على المكلف أن يؤمن بالله ورسوله، ويقرّ بجميع ما جاء به الرسول؛ من أمر الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وما أمر به الرسول ونهى بحيث يقرّ بجميع ما أخبر به وما أمر به. فلا بد من تصديقه فيما أخبر، والانقياد له فيما أمر.
وأما التفصيل: فعلى كل مكلف أن يقرّ بما ثبت عنده; من أن الرسول أخبر به وأمر به، وأما ما أخبر به الرسول ولم يبلغه أنه أخبر به، ولم يمكنه العلم بذلك; فهو لا يعاقب على ترك الإقرار به مفصلًا، وهو داخل في إقراره بالمجمل العام، ثم إن قال خلاف ذلك متأولًا كان مخطئًا يغفر له خطؤه; إذا لم يحصل منه تفريط ولا عدوان، ولهذا يجب على العلماء من الاعتقاد ما لا يجب على آحاد العامة، ويجب على من نشأ بدار علم وإيمان من ذلك ما لا يجب على من نشأ بدار جهل. وأما ما علم ثبوته بمجرد القياس العقلي دون الرسالة: فهذا لا يعاقب إن لم يعتقده.
وأما قول طائفة من أهل الكلام: إن الصفات الثابتة بالعقل هي التي يجب الإقرار بها، ويكفر تاركها بخلاف ما ثبت بالسمع. فإنهم تارة ينفونه، وتارة يتأولونه أو يفوضون معناه، وتارة يثبتونه لكن يجعلون الإيمان والكفر متعلقًا بالصفات العقلية، فهذا لا أصل له عن سلف الأمة وأئمتها؛ إذ الإيمان والكفر هما من الأحكام التي ثبت بالرسالة، وبالأدلة الشرعية يميز بين المؤمن والكافر، لا بمجرد الأدلة العقلية ... اهـ.
والله أعلم.