الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيسن للمسلم إذا أراد القدوم على أي عمل مباح أن يستخير الله تعالى، ويسأله أن يختار له ما فيه الخير له في دينه ودنياه، فالاستخارة لا تكون في أمر واجب أو مندوب؛ لأنه مأمور بفعلهما شرعًا، ولا تكون كذلك في أمر محرم أو مكروه؛ لأنه مأمور بتركهما شرعًا.
وكيفية الاستخارة والدعاء الذي يقال فيها قد علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته؛ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ، يَقُولُ: "إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ-، فَاقْدُرْهُ لِي، وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ-، فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي". قَالَ: «وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ". أي: يذكر حاجته عند قوله: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر، فيقول مثلًا: اللهم إن كنت تعلم أن سفري أو زواجي من فلانة ... إلخ خير لي في ديني ...، وإن كنت تعلم أن سفري ... إلخ شر لي في ديني ...
ومحل الدعاء بعد الانتهاء من صلاة الركعتين، فيدعو، ويقول في دعائه: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ... إلى آخر الحديث. وله أن يدعو به قبل السلام من الركعتين، ثم بعد ذلك يمضي في أمره متوكلًا على الله، ويفعل ما تيسر له، فإن كان خيرًا يسره الله له، وإن كان شرًّا صرفه الله عنه، وانظر الفتوى: 123457.
والله أعلم.