الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب في أن الأخت من الأرحام القريبة لأخيها، ولها حق الصلة الواجبة للرحم، ومن جملة الصلة: الزيارة والخدمة والإعانة، والتقصير في ذلك مع القدرة عليه، قد يكون مكروها، وقد يكون حراما، بحسب الحال وما جرى به العرف
قال ابن بطال في شرح البخاري: الزيارة من صلة الرحم. اهـ.
وقال النووي في شرح مسلم: صلة الرحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول، فتارة تكون بالمال، وتارة بالخدمة، وتارة بالزيارة والسلام، وغير ذلك. اهـ.
وقال في الأذكار: ضبط ذلك يختلف باختلاف أحوالهم ومراتبهم وفراغهم، وينبغي أن تكون زيارته لهم على وجه لا يكرهونه، وفي وقت يرتضونه، والأحاديث والآثار في هذا كثيرة مشهورة. اهـ.
وقال المناوي في فيض القدير: تتفاوت مراتب استحقاقهم في ذلك، ويقدم الأقرب، فالأقرب، وقال ابن أبي جمرة: صلة الرحم بالمال، وبالعون على الحوائج، ودفع الضرر، وطلاقة الوجه، والدعاء، والمعنى الجامع: إيصاله ما أمكن من خير ودفع ما أمكن من شر بقدر الطاقة... وقال الذهبي: يدخل فيه من قطعهم بالجفاء والإهمال والحمق، ومن وصلهم بماله ووده وبشاشته وزيارته، فهو واصل، ومن فعل بعض ذلك وترك بعضا، ففيه قسط من الصلة والقطيعة، والناس في ذلك متفاوتون. اهـ.
وقد اختلف أهل العلم في حد القطيعة المحرمة، جاء في الموسوعة الفقهية: قطع الرحم المأمور بوصلها، حرام باتفاق لقول الله سبحانه: والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار... وقد بين ابن حجر الهيثمي من الشافعية ما يكون به قطع الرحم، ووافقه صاحب تهذيب الفروق من المالكية، وقد أورد ابن حجر فيه رأيين:
أحدهما: الإساءة إلى الأرحام.
الثاني: يتعدى إلى ترك الإحسان، فقطع المكلف ما ألفه قريبه منه من سابق الصلة والإحسان لغير عذر شرعي يصدق عليه أنه قطع رحمه، وقد عده بعضهم كبيرة ـ كما سبق ـ والأعذار تختلف بحسب نوع الصلة، فعذر ترك الزيارة، ضبطه الشافعية والمالكية بالعذر الذي تترك به صلاة الجمعة، بجامع أن كلا منهما فرض عين وتركه كبيرة. اهـ.
وعلم بذلك أن أصل زيارة الأخ لأخته ليس تفضلا منه، بل هو واجب عليه، بحسب قدرته وحاجة أخته وما جرت به عادته السابقة، فلا يجوز له قطعها بغير عذر، لما يترتب على ذلك من الوحشة والنفرة والتأذي، قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر في بيان ضابط قطع الرحم: قطع ما ألف القريب منه من سابق الوصلة والإحسان لغير عذر شرعي، لأن قطع ذلك يؤدي إلى إيحاش القلوب ونفرتها وتأذيها، ويصدق عليه حينئذ أنه قطع وصلة رحمه وما ينبغي لها من عظيم الرعاية. اهـ.
وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 122572.
والله أعلم.