الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما ذكر الأخ السائل أنه سمعه -"الخضاب الأسود حرام في فقه الحنفية..."- لم نقف عليه في شيء مما أتيح لنا البحث فيه، والذي وقفنا عليه من كلام أهل العلم في هذا قد جاء ملخصًا في الموسوعة الفقهية، وقد ورد فيها ما يلي:
ذهب الحنفية، والمالكية، والحنابلة إلى أن خضاب الرجل بالسواد مكروه في غير الجهاد في الجملة.
وللحنفية، والمالكية في ذلك تفصيل: قال ابن عابدين: يكره الخضاب بالسواد أي: لغير الحرب, قال في الذخيرة: أما الخضاب بالسواد للغزو ـ ليكون أهيب في عين العدو ـ فهو محمود بالاتفاق، وإن كان ليزين نفسه للنساء فمكروه, وعليه عامة المشايخ، وبعضهم جوزه بلا كراهة، روي عن أبي يوسف أنه قال: كما يعجبني أن تتزين لي يعجبها أن أتزين لها.
وقال المالكية: الخضاب بالسواد إذا كان للتغرير فهو حرام، كمن أراد نكاح امرأة فصبغ شعر لحيته الأبيض بالسواد، وإن كان للجهاد حتى يوهم العدو الشباب ندب، وإن كان للتشاب كره، وإن كان مطلقًا فقولان: بالكراهة، والجواز.
وقال الشافعية: إن الخضاب بالسواد حرام في الجملة, ولهم في ذلك تفصيل، وخلاف، قال النووي في المجموع: اتفقوا على ذم خضاب الرأس، واللحية بالسواد, ثم قال: قال: الغزالي في الإحياء, والبغوي في التهذيب, وآخرون من الأصحاب: هو مكروه، وظاهر عبارتهم أنه مكروه كراهة تنزيه, والصحيح ـ بل الصواب ـ أنه حرام، وممن صرح بتحريمه صاحب الحاوي في باب الصلاة بالنجاسة, قال: إلا أن يكون في الجهاد, وقال في آخر كتاب الأحكام السلطانية يمنع المحتسب الناس من خضاب الشيب بالسواد، إلا المجاهد.
ودليل تحريمه حديث جابر -رضي الله عنه- قال: {أتي بأبي قحافة والد أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غيروا هذا, واجتنبوا السواد}, وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام, لا يريحون رائحة الجنة}.
ولا فرق في المنع من الخضاب بالسواد بين الرجل والمرأة... هذا مذهبنا.
وحكي عن إسحاق بن راهويه أنه رخص فيه للمرأة تتزين به لزوجها، وقال النووي في روضة الطالبين: خضاب المرأة بالسواد إن كانت خلية من الزوج وفعلته، فهو حرام, وإن كانت زوجة وفعلته بإذنه فجائز على المذهب, وقيل: وجهان كوصل الشعر، وقال الرملي: يحرم على المرأة الخضاب بالسواد, فإن أذن لها زوجها في ذلك جاز; لأن له غرضًا في تزينها له, كما في الروضة، وأصلها, وهو الأوجه... اهـ.
وكنا قد بينا خلاف العلماء في هذه المسألة، وذكرنا رجحان القول بتحريم الصبع بالسواد، وأنه مذهب الشافعية، وراجع الفتوى رقم: 35687.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء: تغيير الشعر بغير السواد لا حرج فيه، وكذلك استعمال مواد لتنعيم الشعر المجعد، والحكم للشباب والشيوخ في ذلك سواء، إذا انتفت المضرة، وكانت المادة طاهرة مباحة، أما التغيير بالسواد الخالص: فلا يجوز للرجال والنساء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: غيروا هذا الشيب، واجتنبوا السواد ـ رواه مسلم. اهـ.
والله أعلم.