الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالإحرام من الميقات لمن قدم مكة مريدًا النسك واجب من واجبات الحج والعمرة، ولا يسقط هذا الواجب بجهل أو نسيان، فمن ترك الإحرام من الميقات عند قدومه لمكة ناويًا النسك فعليه دم يذبح في مكة ويوزع على فقراء الحرم؛ قال العلامة الشنقيطي -رحمه الله-: اعْلَمْ أَنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ جَاوَزَ مِيقَاتًا مِنَ الْمَوَاقِيتِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرَ مُحْرِمٍ، وَهُوَ يُرِيدُ النُّسُكَ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا، وَدَلِيلُهُ فِي ذَلِكَ أَثَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا». قَالُوا: وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ، وَهُوَ يُرِيدُ النُّسُكَ فَقَدْ تَرَكَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا، وَهُوَ الْإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ، فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ. انتهى. ولفظة "أو" في هذا الأثر ليست للشك، بَلْ لِلتَّقْسِيمِ، وَالْمُرَادُ بِهِ: يُرِيقُ دَمًا سَوَاءٌ تَرَكَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا. قاله النووي -رحمه الله-.
وإذا علمت هذا؛ فإن على أمك دمًا عن كل عمرة أحرمت لها بعد مجاوزة الميقات، يذبح هذا الدم في مكة ويوزع على فقراء الحرم، فإن عجزت عن ذبح ما يلزمها فعليها عن كل دم لزمها صيام عشرة أيام قياسًا على العاجز عن دم التمتع؛ قال في المغني: ويقاس عليه أيضًا -يعني على دم المتعة- كل دم وجب لترك واجب؛ كدم القران، وترك الإحرام من الْمِيقَاتِ، وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَالرَّمْيِ، وَالْمَبِيتِ لَيَالِي مِنًى بِهَا، وَطَوَافِ الْوَدَاعِ، فَالْوَاجِبُ فِيهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ. انتهى.
والله أعلم.