الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما جواب السؤال الأول: فإن أهل الأهواء إذا أعياهم الدليل لجأوا إلى المتشابه من الأدلة لإقامة دعواهم، ومن نظر في سيرة ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ يعلم تمام العلم زهده في هذه الدنيا وتجافيه عن زهرتها وغرورها، ومن كانت هذه سيرته لا يطعن فيه بمثل هذه الألفاظ المحتملة المجملة، وتفسير العيني ـ رحمه الله ـ في عمدة القاري لكلام ابن عمر رضي الله عنهما، ليس متعينا، بل قد ذكر ابن حجر أن مراده لم يجعل له شيء من أمر الناس في الفتنة التي وقعت بين علي ومعاوية ـ رضي الله عنهما ـ حيث قال الحافظ في الفتح: قَوْلُهُ: قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ مَا تَرَيْنَ، فَلَمْ يُجْعَلْ لِي مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ـ مُرَادُهُ بِذَلِكَ مَا وَقَعَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ مِنَ الْقِتَالِ فِي صِفِّينَ يَوْمَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَى الْحُكُومَةِ بَيْنَهُمْ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَرَاسَلُوا بَقَايَا الصَّحَابَةِ مِنَ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَتَوَاعَدُوا عَلَى الِاجْتِمَاعِ لينظروا فِي ذَلِك فَشَاور ابن عُمَرَ أُخْتَهُ فِي التَّوَجُّهِ إِلَيْهِمْ أَوْ عَدَمِهِ، فَأَشَارَتْ عَلَيْهِ بِاللَّحَاقِ بِهِمْ خَشْيَةَ أَنْ يَنْشَأَ مِنْ غَيْبَتِهِ اخْتِلَافٌ يُفْضِي إِلَى اسْتِمْرَارِ الْفِتْنَةِ. انتهى.
وكذلك على تفسير العيني أنه: أَرَادَ بِالْأَمر الْإِمَارَة وَالْملك، يمكن حمل كلامه على أنه تعليل لعدم خروجه للناس حين أرادوا التحكيم بين علي ومعاوية ـ رضي الله عنهما ـ وأنه ليس أميرا ولا ملكا حتى يلزم الناس بحكمه ورأيه.
وأما السؤال الثاني في قضية التحكيم بين الصحابة في زمن علي ومعاوية رضي الله عنهما: فإنها ثابتة من حيث الأصل؛ غير أن كثيرا من أهل التاريخ والأخبار قد ذكروها في كتبهم بروايات غير صحيحة، وقد حرفها بعض الرواة المتعصبين ضد الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ ومن المفيد الاطلاع في هذه القضية على كتاب العواصم من القواصم لابن العربي، وكتاب: حقيقة الخلاف بين الصحابة في معركتي الجمل وصفين وقضية التحكيم، للدكتور الصلابي، و كتاب الإنصاف للدكتور حامد الخليفة، وراجع الفتويين رقم: 25909، ورقم: 234238.
وأما السؤال الثالث في أن معاوية ـ رضي الله عنه ـ أراد ابن عمر رضي الله عنهما بقوله: فَلَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ وَمِنْ أَبِيهِ ـ فهذا الاحتمال استبعده الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في الفتح، حيث قال: قِيلَ أَرَادَ عَلِيًّا وَعَرَّضَ بِالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَقِيلَ أَرَادَ عُمَرَ وَعَرَّضَ بِابْنِهِ عبد الله، وَفِيه بعد، لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ يُبَالِغُ فِي تَعْظِيمِ عُمَرَ. انتهى.
وأما السؤال الرابع: في أن ابن عمر كان يرى أن عليا أحق بالخلافة من معاوية، فهذا الشطر من الدعوى صحيح، وكذلك أهل السنة والجماعة يرون أن الأحق بالخلافة بعد الخلفاء الثلاثة علي ـ رضي الله عنه ـ وأما ما رتبوا عليه من دعوى أن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ كان مع معاوية رضي الله عنه ليحصل على الملك، ولكن عندما لم يكن له شيء قال الحق، فهذه دعوى باطلة، وادعاء لا دليل عليه، قال الله تعالى: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {البقرة:111}.
والله أعلم.