الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الدعاء في الليل، مشروع في الأصل؛ لأن فيه ساعة يستجاب فيها الدعاء، كما في صحيح مسلم عن جابرـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم، يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة، إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة. وفي رواية له: إن من الليل ساعة، لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا، إلا أعطاه إياه.
قال النووي: فيه إثبات ساعة الإجابة في كل ليلة، ويتضمن الحث على الدعاء في جميع ساعات الليل، رجاء مصادفتها. انتهى.
فهذا يفيد مشروعية الدعاء في جميع ساعات الليل، وأما تحري ساعة النوم، والمواظبة عليها، فالأولى أن يكون التحري في آخر الليل؛ لما في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له. وأما مواظبتك على وقت النوم دون اعتقاد لخصوصية فيه، فالأصل جوازه، وأما التعمد لتخصيص الدعاء بهذا الوقت، وتحديد الأعداد المعينة من دون استناد للشرع، فيخشى على صاحبه من الدخول في البدع الإضافية.
فقد قال الشاطبي -رحمه الله- مبينا ما يدخل في حد البدعة: ومنها التزام الكيفيات، والهيئات المعينة كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً، وما أشبه ذلك، ومنها التزام العبادات المعينة، في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته. انتهى.
وقال الإمام أبو شامة رحمه الله: ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع، بل تكون أفعال البر مرسلة في جميع الأزمان، ليس لبعضها على بعض فضل، إلا ما فضله الشرع، وخصه بنوع العبادة. فإن كان ذلك، اختص بتلك الفضيلة، تلك العبادة من دون غيرها، كصوم يوم عرفة، وعاشوراء، والصلاة في جوف الليل، والعمرة في رمضان. ومن الأزمان ما جعله الشرع مفضلاً فيه جميع أعمال البر كعشر من ذي الحجة، وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر...
والحاصل أن المكلف ليس له منصب التخصيص، بل ذلك إلى الشارع، وهذه كانت صفة عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ. من الباعث.
والله أعلم.