الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فمن الخطأ أن تفطروا بناء على أذان مكة وأنتم في مدينة أخرى أو مكان آخر بعيدًا عنها، وما دمتم قد أفطرتم قبل الأذان عندكم فالأحوط قضاء ذلك اليوم؛ جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: ما حكم من أفطر قبل الأذان بحوالي (5 دقائق)، وسبب إفطاره هو: النظر إلى الوقت الذي في اليوم الذي قبله؟ مثال: أفطر اليوم على الساعة (47: 6) في الغد أفطر على (49: 6)، والأذان على الساعة (50: 6)؟
فأجابت بقولها: وقت الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ومن أفطر قبل غروب الشمس وجب عليه القضاء، ولا ينبغي الاعتماد الكلي على الساعة، بل الواجب أن يراعى غروب الشمس؛ لأن الوقت يختلف من يوم إلى آخر. اهـ.
ويرى الشيخ/ ابن عثيمين في مثل هذا عدم القضاء؛ فقد سئل عن جماعة في جدة أفطروا بناء على أذان الحرم في الراديو ظنًّا منهم أن توقيت مكة وجدة واحد، واتضح لهم بعد ذلك أن هنالك ثلاث دقائق فرقًا بينهما، فهل عليهم قضاء ذلك اليوم؟
فأجاب بقوله: صيامهم صحيح، وليس عليهم قضاء، لأنهم لم يتعمدوا، وقد قال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً}، وقال تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}. اهـ. من مجموع فتاواه.
وقال في فتاوى نور على الدرب: كل من أفطر وأكل وشرب ظانًّا أن الشمس قد غربت، ثمّ تبين أنها لم تغرب، فإن صومه صحيح، ولا يجب عليه إعادة ذلك اليوم، وإنما يجب عليه الامتناع عن الأكل والشرب من حين يعلم أنه في النهار، فلا يجب عليه قضاء ذلك اليوم؛ لأنه ثبت في صحيح البخاري من حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها وعن أبيها- قالت: (أفطرنا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم غيم، ثمّ طلعت الشمس). ولم يأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بقضاء ذلك اليوم، إذ لو أمرهم لنقل، ولو كان واجبًا عليهم القضاء لأمرهم به النبي -صلى الله عليه وسلم- لوجوب التبليغ عليه، ولو أمرهم لنقل؛ لأن الشريعة قد تكفل الله تبارك وتعالى بحفظها، فلمّا لم ينقل إلينا أنهم أمروا بقضاء الصوم عُلم أنهم لم يأمروا به، ثمّ إن هذا فرد من أفراد العموم الثابت في قوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى: (قد فعلت)، فهذه الآية العامة قاعدة عظيمة من أصول الشريعة لا يشذّ عنها شيء، وإذا اجتمع في هذه المسألة الدليل الخاص وهو حديث أسماء، وهذا الدليل العام، تبيّن أنه لا قضاء عليكم. اهـ.
والله تعالى أعلم.