الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
ففي البداية: نسأل الله تعالى لك الشفاء العاجل مما تعانينه من وساوس, وشكوك, فقد تبين لنا من خلال أسئلتك السابقة أن لديك وساوس كثيرة, فلأجل ذلك ننصحك بالإعراض عنها, وعدم الالتفات إليها, وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 3086.
ثم إن من كثرت شكوكه بحيث صارت تأتيه كل يوم, ولو مرة, فإنه يُعرض عنها، ولا يفعل ما شك فيه, ولا يلزمه سجود سهو, جاء في الإنصاف للمرداوي: من كثر منه السهو، حتى صار كالوسواس، فإنه يلهو عنه؛ لأنه يخرج به إلى نوع مكابرة، فيفضي إلى الزيادة في الصلاة، مع تيقن إتمامها، ونحوه، فوجب اطراحه. انتهى.
وبناء على ذلك؛ فإذا شككت هل صليت ثلاث ركعات, أم أربعًا, فإنك تجعلينها أربعًا, ولا تأتي بما تشكين فيه, لكن إتيانك بالركعة الرابعة لأجل الشك لا يبطل صلاتك, جاء في الفواكه الدواني للنفراوي المالكي: ومن استنكحه ـ أي كثرـ الشك في السهو في الصلاة، فليله عنه ـ أي يعرض عنه ـ وجوبًا، ولا إصلاح عليه؛ لأنه من الشيطان، وداؤه -كالنفس- الإعراض عنه، ومخالفته بخلاف غير المستنكح يصلح، ويسجد، فلو بنى المستنكح على الأقل، ولم يله عنه لم تبطل صلاته، ولو عامدًا، كما قال الحطاب في شرح خليل، ولعل وجهه أن الأصل البناء على اليقين، وإنما سقط عن المستنكح تخفيفًا عنه، فإذا أصلح فعل الأصل. انتهى.
ثم إنه كان من الصواب القيام للركعة الرابعة بلا تكبير اكتفاء بالتكبير السابق الذي كنت قد أتيت به؛ لأن جلوسك تبين أنه في غير محله, جاء في الشرح الكبير للدردير المالكي: ومفهوم الشرط أنه إن جلس في أولاه، كمدرك الرابعة، أو الثالثة من ثلاثية، أو الثانية من ثنائية، أو جلس في ثالثته، كمن فاتته الأولى من رباعية، قام بلا تكبير؛ لأن جلوسه في غير محله، وإنما هو لموافقة الإمام، وقد رفع معه بتكبير، وهو في الحقيقة للقيام. انتهى.
فتبين ـ إذن ـ أنك قد أتيت بزيادة وهي جلوسك للتشهد في غير محله، وتكبيرك لقيام الرابعة وأنت في غنى عنه بتكبيرك السابق, فيشرع لك في هذه الحالة السجود بعد السلام، بناء على القول المختار المذكور في الفتوى رقم: 17887، وهو أن ما كان لنقص فمحل السجود فيه قبل السلام، وما كان لزيادة فمحل السجود فيه بعد السلام.
والسجود البعدي يجزئ تقديمه قبل السلام, كما يجزئ تأخير السجود القبلي بعد السلام, جاء في شرح الخرشي المالكي: وصح سجود السهو إن قدم بَعديُه، ولو عمدًا رعيًا لمذهب الشافعي، ولا يجوز ابتداء، أو أخر قَبليُه رعيًا لمذهب أبي حنيفة، ويكره ابتداء. انتهى.
والله أعلم.