الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكر الله لك حرصك على تربية أبنائك والعناية بحفظهم وتعلمهم لكتاب الله عز وجل، ونسأل الله أن يعينك على ذلك ويكتب لك الأجر والثواب الجزيل، واعلم أن الرفق مطلوب في كل الأمور، وخاصة بهؤلاء الصغار، فينبغي أن لا تشق عليهم أو تكلفهم ما لا يطيقون من الحفظ، أو تدرسهم في الأوقات المخصصة للراحة، فإن ذلك قد ينعكس سلبا على أدائهم، ويجعلهم يكرهون الدراسة، فضلا عن ما فيه من مخالفة سنة عمر ـ رضي الله عنه ـ التي سنها ودعا لمن أحياها، جاء في الفواكه الدواني: تنبيهان:
الأول: ينبغي لمن له ولاية على صغير الرفق به، فلا يكلفه من العمل ما لا يطيقه، قاله في سماع أشهب من كتاب الجامع قال: وسمعته يسأل عن صبي ابن سبع سنين جمع القرآن، قال: ما أرى هذا ينبغي، قال ابن رشد: إنما قال هذا لا ينبغي من أجل أن ذلك لا يكون إلا مع التشديد عليه في التأديب والتعليم وهو صغير جدا، وترك الرفق به في ذلك، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله رفيق ويحب الرفق من الأمر كله.
الثاني: أول من جمع الأولاد في المكتب عمر بن الخطاب، وأمر عامر بن عبد الله الخزاعي أن يلازمهم للتعليم، وجعل رزقه من بيت المال، وكان منهم البليد، والفهيم، فأمره أن يكتب للبليد في اللوح، ويلقن الفهيم من غير كتب، وكان عمر ـ رضي الله عنه ـ يشهدهم على الأمور التي يخاف عليها الانقطاع بطول الزمان كالنسب، والجنس، والولاء، فسألته الأولاد أن يشرع لهم التخفيف، فأمر المعلم بالجلوس بعد صلاة الصبح إلى الضحى العالي، ومن صلاة الظهر إلى صلاة العصر، ويستريحون بقية النهار، إلى أن خرج إلى الشام عام فتحها فمكث شهرا، ثم إنه رجع إلى المدينة وقد استوحش الناس منه، فخرجوا للقائه فتلقاه الصغار على مسيرة يوم، وكان ذلك يوم الخميس فباتوا معه، ورجع بهم يوم الجمعة فتعبوا في خروجهم ورجوعهم، فشرع لهم الاستراحة في اليومين المذكورين، فصار ذلك سنة إلى يوم القيامة، ودعا بالخير لمن أحيا هذه السنة، ودعا بضيق الرزق لمن أماتها. اهـ.
ثم إنه ينبغي أن تنوع الأسلوب الذي تتبعه معهم، فلا يكون مقتصرا على النصح والنصح فقط، بل تجمع بين كل الأساليب التي فيها حث وتحفيز لهم على الحفظ، ومن ذلك التشجيع المادي والمعنوي ومنح الجوائز لمن ينجز ما عليه أولا، وهكذا... مع توجيههم جميعا إلى طلب الثواب من الله، وتعليمهم الإخلاص، وتحبيبهم في القرآن بذكر فضائله ومزايا حامله، ولا مانع أيضا من استخدام ما يسمى بالحوافز السلبية ومنها: التهديد بالعقاب أو الحرمان من اللعب في بعض الأوقات لمن لم ينجز ما عليه أو نحو ذلك.. ويكون ذلك بقدر الحاجة دون إفراط حتى لا يكون مردوده عكسيا.
وبخصوص سؤالك الثاني: فلا باس بالختم في الصلوات الجهرية لأجل تقوية الحفظ أو لغير ذلك، ما لم يعتقد المرء سنية هذا الأمر، وقد سئل الشيخ العثيمين: هل يجوز للإمام قراءة القرآن من أوله إلى آخره في الصلوات الجهرية أي يبدأ بسورة البقرة وينتهي بسورة الناس مثل شهر رمضان، ولكن لا يختم مثل شهر رمضان، بل يكتفي بقراءة القرآن في الصلوات الجهرية، فهل في ذلك شيء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس فيه شيء إذا كان الفاعل لا يعتقد أن ذلك أمر مشروع، لعموم قوله تعالى: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ ـ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ـ وكثير من الأئمة يفعل ذلك يقول: لأني أحب أن يمر القرآن كله على أسماع المأمومين، فإذا كان الإنسان لا يعتقد أن ذلك من السنن، فلا حرج عليه في قراءة ما شاء من كتاب الله عز وجل. اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 103559.
والله أعلم.