الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففائدة كثرة الإنجاب قد نبه عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم. رواه أبو داود وغيره، وقد جبل الله الأسوياء من بني آدم على حب كثرة الذرية وجعل سبحانه البنين من زينة الحياة الدنيا، قال فضيلة الدكتور محمد الصباغ ـ حفظه الله ـ: (إن غريزة الامتداد في الذراري والأحفاد لا يستطيع المرء السَّوِيُّ أن ينعم بها إلا عن طريق الزواج، فكما أحسن إليك والدك فكان سببَ وجودِك في هذه الدنيا، فكذلك ينبغي بالنسبة إليك أن تقابل هذا الإحسانَ بالبر إليه، والوفاء له، فتنجب للدنيا نبتة كريمة تتعهدها بالتربية والتهذيب، تحيي اسم والدك، ويكون عملها الطيب في سجلك، ويكفي الممتنع عن الإنجاب عقوقَا أن يكون هو الشخص الأول الذي يقطع هذه السلسلة التي تبدأ بآدم، وتنتهي به) انتهى.
وكانت العرب تقول: إنما العزة للكاثر، ومن ثم امتن الله على عباده بتكثيرهم من قلة فقال: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ {الأعراف:86}، ولا يرتاب ذو عقل أن عمارة الكون إنما تحصل بالتناسل وكثرة الذرية، والأمة الأكثر عددا أشد منعة وأعظم قوة، ولذا رأينا كثيرا من دول الغرب تحث شعوبها على التوالد وكثرة الإنجاب وتشجع على ذلك بالحوافز المادية، وليس ثم تلازم بين كثرة الأمراض أو انتشار الفقر وبين كثرة النسل، بل الغالب عكس ذلك، فإن أحد أهم أركان بناء اقتصادات الدول هو الأيدي العاملة، فأبناء الأمة هم من بسواعدهم تنهض وبجهودهم وعمارتهم للأرض ترتقي، وإنما تكثر الأمراض وينتشر الفقر لأسباب غير كثرة النسل من أهمها مخالفة شرع الله تعالى والانهماك في معاصيه، فإنه الجالب للمصائب الماحق المزيل للنعم، وأما الكثرة مع الإيمان والتقوى فلا تكون إلا مجلبة للخير والبركة، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ {الأعراف:96}، وقد حذر الله من قتل الأولاد خشية الفقر ونهى عن ذلك مبينا أن رزق العباد عليه سبحانه وأنه المتكفل به الضامن له، قال تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ {الإسراء:31}، وهذه الفتوى المختصرة لا تتسع لبسط هذه المسألة، ولكننا نحيلك على محاضرات أمتي لا تنتحري للشيخ محمد إسماعيل المقدم ففيها نفع كبير فيما يتعلق بهذه المسألة، فينبغي أن تسمعها.
والله تعالى أعلم.