الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان هذا حال زوجك في تعامله معك، فهو مسيء للعشرة، ومفرط في حق زوجته، وأهله، فمن حق الزوجة على زوجها أن يحسن عشرتها امتثالًا للأمر الرباني في قوله سبحانه: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}.
ويجب عليه أن ينفق عليها، وأن ينفق على ولده منها، ولا يجب عليها أن تنفق على نفسها، أو على ولدها، ولو كانت غنية، وراجعي الفتوى رقم: 69148، والفتوى رقم: 69148.
وإذا أنفقت الزوجة غير متبرعة جاز لها الرجوع على زوجها بما أنفقت بالمعروف، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 34771.
فقول زوجك لك: أنت من أردت تحمل المسؤولية، تحمليها وحدك. كلام في غير محله، ولم يظهر لنا فيما ذكرت من حيثيات أن هنالك ما يقتضي تأثيمك، وزوجك آثم بما صدر منه من تصرفات سيئة؛ من نحو التفريط في الصلاة، ومحادثة الفتيات، والتفريط في الحقوق، وإساءة عشرتك، وسبّ أبيك وأمك، وهو السبب في تأزيم الأمر.
وأما أبوك: فلا ندري ما دار بينه وبين زوجك من كلام، فلا يمكننا الحكم بما إن كان مخطئًا، وسببًا في سوء العلاقة بينك وبين زوجك.
وطلب المرأة الطلاق من زوجها محرم في الأصل؛ لأن السنة قد ثبتت بالنهي عن ذلك لغير مسوغ شرعي، ولكن فيما ذكرت جملة من مسوغات طلبك الطلاق، ومنها: فسق الزوج، وتضررك بالبقاء معه، ونحو ذلك، وراجعي الفتوى رقم: 37112.
فيجوز لك -إذن- طلب الطلاق، ولكننا لا ننصحك بالتعجل لذلك، فالطلاق قد جعله الشرع آخر الحلول، فالأولى السعي في الإصلاح، فقد ندب الشرع إليه عند نشوز الزوج، كما قال الله -عز وجل-: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا {النساء:128}، فليجلس العقلاء من أهلك، وأهله للصلح بينكما.
ونوصي بهذه المناسبة الزوج، وأهله بالاجتهاد في لمّ شمل الأسرة، والمساعدة في أمر الإصلاح، فهذا مما يعظم به الأجر، ويتقرب به إلى الله، وراجعي في فضل الإصلاح الفتوى رقم: 50300.
فإن تعذر الإصلاح، وظهرت مصلحة الفراق، وأنها الراجحة، فلا بأس بالمصير إليه، وقد يجعل الله في ذلك خيرًا، قال تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130}، قال القرطبي عند تفسيره هذه الآية: أي: وإن لم يصطلحا، بل تفرقا، فليحسنا ظنهما بالله؛ فقد يقيّض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها. اهـ.
وهذه العبارات التي تلفظ بها زوجك من نحو قوله: انتهيت بالنسبة لي كزوجة ... لسنا متزوجين. لا يقع بها الطلاق إلا بالنية؛ لأنها من كنايات الطلاق، وراجعي في ضابط الكنايات الفتوى رقم: 49451. فإن لم يقصد بها الطلاق، فالعصمة باقية بينكما.
وننبه إلى أن الزوج ليس ملزمًا شرعًا بأن يأتي ليأخذ زوجته إلى البيت، وراجع الفتوى رقم: 213277، وليس لأبي الزوجة أن يشترط عليه ذلك، وفي المقابل لا ينبغي للزوج التعنت على الوجه المذكور بالسؤال، ولا سيما فيما يتعلق باعتذار الأب -على فرض كونه قد فعل ما يقتضي الاعتذار-، فلا يجعل هذا متعلقًا بهذا.
والله أعلم.