الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولًا أن الخوف الطبعي كالخوف من الأسود، ونحوها لا يقدح في كمال الإيمان، وقد حكى الله عن موسى ـ عليه السلام ـ أنه أصبح في المدينة خائفًا يترقب، وحكى عنه، وعن هارون عليهما السلام أنهما قالا: قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى {طه:45}.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: الثاني: الخوف الطبيعي، والجبلي: فهذا في الأصل مباح؛ لقوله تعالى عن موسى: فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ {القصص: من الآية21} وقوله عنه أيضا: قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ {القصص:33} لكن إن حمل على ترك واجب، أو فعل محرم، فهو محرم، وإن استلزم شيئا مباحًا كان مباحًا، فمثلًا من خاف من شيء لا يؤثر عليه، وحمله هذا الخوف على ترك صلاة الجماعة مع وجوبها، فهذا الخوف محرم، والواجب عليه أن لا يتأثر به، وإن هدده إنسان على فعل محرم، فخافه وهو لا يستطيع أن ينفذ ما هدده به، فهذا خوف محرم؛ لأنه يؤدي إلى فعل محرم بلا عذر، وإن رأى نارًا ثم هرب منها، ونجا بنفسه، فهذا خوف مباح، وقد يكون واجبًا إذا كان يتوصل به إلى إنقاذ نفسه. انتهى.
ومع هذا؛ فقد يرزق الله بعض عباده قوة في قلوبهم، ورباطة جأش بحيث يقدمون على المخاطر، ولا يخافون مما الشأن أن يُخاف منه، وهذا إن حصل لولي من أولياء الله فهو كرامة أكرمه الله تعالى بها، ولا ريب في أن التوكل على الله تعالى، واستحضار عظمته، وامتلاء القلب بالخوف منه يذهب عن القلب الخوف مما سواه، كما قال تعالى: فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {آل عمران:175}.
فالشجاعة سبيل اكتسابها هو تعليق القلب بالله، والعلم بأن ما أصاب العبد لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وتكميل التوكل عليه سبحانه، وامتلاء القلب بالخوف منه وحده، واللجأ إليه وحده، فكل هذا يكسب القلب الشجاعة، والصلابة، والقوة، والقدرة على مواجهة الصعاب، وتحدي الأخطار.
والله أعلم.