الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن العلماء قد اختلفوا في من يعطَى من الزكاة من المؤلفة قلوبهم؛ هل يشترط أن يكون سيدًا مطاعًا في عشيرته، أو يمكن أن يعطَى الشخص وإن لم يكن بهذه الصفة؟ وقد بين الشيخ/ ابن عثيمين هذا الخلاف، وذكر وجه القولين، ورجح أنه يعطى وإن لم يكن كذلك؛ فقال ما عبارته: وظاهر كلام المؤلف أنه لا يشترط أن يكون سيدًا مطاعًا في عشيرته، والمذهب أنه يشترط أن يكون سيدًا مطاعًا في عشيرته؛ لأن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- حينما أعطى المؤلفة قلوبهم إنما أعطى الكبراء والوجهاء في عشائرهم وقبائلهم ولم يعط عامة الناس، ولأن الواحد من عامة الناس لا يضر المسلمين عدم إيمانه أو ضعف إيمانه، ولا يضر المسلمين شره؛ لأنه من الممكن أن نحبسه أو نضربه أو نقيم الحد عليه، بخلاف الكبراء والوجهاء فإنه قد يتعذر ذلك في حقهم، فيعطون من الزكاة لتأليف قلوبهم. وهذا ظاهر في بعض المسائل التي عدها المؤلف؛ وهي كف الشر، فمثلًا كف الشر إذا كان من واحد غير ذي أهمية وليس مطاعًا وليس سيدًا فإننا لا نحتاج أن نعطيه من الزكاة.
أما قوة الإيمان ورجاء الإسلام: فالقول بأنه يعطَى من لم يكن سيدًا مطاعًا في عشيرته لذلك قول قوي، ودليل ذلك: أن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يعطي الذين أسلموا وأمن شرهم ليزداد إيمانهم، حتى صرّح بأنه يعطي أقوامًا، وغيرهم أحب إليه مخافة أن يكبهم الله في النار. والعلة فيه أن حفظ الدين وإحياء القلب أولى من حفظ الصحة وإحياء البدن، ورأيت كلامًا لشيخ الإسلام في مختصر الفتاوى المصرية ظاهره: أنه يجوز أن يعطَى المؤلف ولو لمصلحته الخاصة، وعلل بأنه إذا كان الفقير يعطى لقوت بدنه فضعيف الإيمان أحوج إلى الإعانة ... انتهى.
وإذا علمت هذا؛ فلو دفعت لتلك المرأة من مال الصدقة وأعطيت زكاتك لمن يجزئ دفعها إليه باتفاق فذلك أولى وأحوط، وإن أردت العمل بقول من يجيز الدفع إليها -والحال ما ذكر- فلا حرج عليك -إن شاء الله-؛ فإنه قول قوي متجه، ويجوز لك الدفع إليها قبل أن تسلم، ولا يشترط التحقق من مدى قوة إيمانها بعد أن تسلم؛ فإن علم ذلك عند الله تعالى.
والله أعلم.