الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمسألة وجوب صلاة الجماعة محل خلاف سائغ بين أهل العلم، وهذا الحديث الذي ذكرته من جملة ما استدل به القائلون باستحبابها، وأجاب عنه، وعن نظائره كحديث: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ـ العلماء القائلون بوجوب الجماعة بأجوبة، منها أن ذكر الفضل، وكذا ذكر عظم الأجر في هذا الحديث لا يستلزم عدم الإثم بترك الجماعة، وإنما غاية ما يفيده إجزاء الصلاة منفردًا، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: ولكن هذا الاستدلالُ ضعيفٌ جدًّا؛ لأنَّ المرادَ هنا بيانُ ثوابِ صلاةِ الجماعةِ، وأنَّ أجرَها أفضلُ، وأكثرُ، لا حُكمَ صلاةِ الجماعةِ، وذِكْرُ الأفضليَّة لا ينفي الوجوب، ألا ترى إلى قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنَجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ {الصف:10ـ 11} يعني: أخْيَر وأفضل، فهل تقولون: إن الإيمانَ بالله، والجهاد في سبيله سُنَّةٌ؟ لا أَحَدَ يقول بذلك، وهل تقولون: إنَّ صلاة الجُمُعة سُنَّة؛ لأنَّ الله قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {الجمعة:9} الجواب: لا أَحَدَ يقول بأنَّ صَلاةَ الجُمُعة سُنَّةٌ. انتهى.
ومنها أن هذا خاص بالمعذور، وإليه جنح ابن القيم في كتاب الصلاة.
وبكل حال؛ فمسألة وجوب الجماعة طويلة الذيل، وفيها بين العلماء مناقشات يطول إيرادها، والمفتى به عندنا هو وجوب الجماعة، ولكن أكثر الموجبين للجماعة لا يوجبونها في المسجد، ويرون إجزاءها، وسقوط الواجب بفعلها في أي مكان تصح الصلاة فيه، وإن كان فعلها في المسجد أولى بلا شك، خروجًا من خلاف من أوجبها فيه، وتحصيلًا للأجر العظيم المترتب على فعلها في المسجد، وانظر الفتوى رقم: 128394.
والله أعلم.