الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم لا يجوز له التعلق بالمعاصي، بل يجب أن ينهى النفس عن الهوى، ويجعل هواه ورغباته تبعا لأمر الله تعالى ويجاهد نفسه، ويكثر من التأمل في ثواب الأعمال الصالحة ومخاطر المعاصي والذنوب حتى يسلو قلبه عما لا يرضي الله تعالى، وأما المحبة الشركية المذمومة: فهي التي يسوي فيها المحِبٌ بين محبته لله، ومحبته للند الذي اتخذه من دون الله، بحيث يبلغ كمال الحب، مع كمال الخضوع لغير الله سبحانه وتعالى، فمن أحب غير الله محبة عبودية أي محبة تستلزم كمال الذل وكمال الخضوع، فقد أشرك مع الله غيره، فقد قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ {البقرة، 165}.
وجاء في تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد: واعلم أن المحبة قسمان، مشتركة وخاصة:
فالمشتركة: ثلاثة أنواع:
أحدها: محبة طبيعية، كمحبة الجائع للطعام، والظمآن للماء، ونحو ذلك، وهذه لا تستلزم التعظيم.
الثاني: محبة رحمة وإشفاق، كمحبة الوالد لولده الطفل، وهذه أيضًا لا تستلزم التعظيم.
الثالث: محبة أنس وألف، وهي محبة المشتركين في صناعة، أو علم أو مرافقة أو تجارة أو سفر لبعضهم بعضًا وكمحبة الإخوة، بعضهم بعضًا.
فهذه الأنواع الثلاثة، التي تصلح للخلق، بعضهم من بعض، ووجودها فيهم لا يكون شركا في محبة الله، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل، وكان يحب نساءه، وعائشة أحبهن إليه، وكان يحب أصحابه وأحبهم إليه الصِّدِّيق رضي الله عنه.
القسم الثاني: المحبة الخاصة التي لا تصلح إلا لله، ومتى أحب العبد بها غيره، كان شركا لا يغفره الله: وهي محبة العبودية، المستلزمة للذل، والخضوع والتعظيم، وكمال الطاعة، وإيثاره على غيره، فهذه المحبة لا يجوز تعلقها بغير الله أصلاً، كما حققه ابن القيم، وهي التي سوَّى المشركون بين الله تعالى وبين آلهتهم فيها، كما قال تعالى في الآية التي ترجم لها المصنف: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً ـ قال ابن كثير: يذكر تعالى حال المشركين به في الدنيا، وما لهم في الآخرة من العذاب والنكال حيث جعلوا لله أندادًا، أي: أمثالاً ونظراء، يحبونهم كحبه، ويعبدونهم معه، وهو الله الذي لا إله إلا هو، ولا ضد له ولا ند له، ولا شريك معه، وقوله: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ـ أي: يساوونهم بالله في المحبة والتعظيم، ولهذا يقولون لأندادهم، وهم في النار: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ـ فهذا هو مساواتهم برب العالمين، وهو العدل المذكور، في قوله: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ـ أما مساواتهم بالله في الخلق والرزق وتدبير الأمور، فما كان أحد من المشركين يساوون أصنامهم بالله في ذلك، وهذا القول رجحه شيخ الإسلام.
والثاني: أن المعنى يحبون أندادهم، كما يحب المؤمنون الله، ثم بين أن محبة المؤمنين لله أشد من محبة أصحاب الأنداد لأندادهم، قال شيخ الإسلام: وهذا متناقض، وهو باطل، فإن المشركين لا يحبون الأنداد، مثل محبة المؤمنين الله، ودلت الآية على أن من أحب شيئًا، كحب الله، فقد اتخذه ندًّا لله، وذلك هو الشرك الأكبر، قاله المصنف، وعلى وجوب إفراد الله بالمحبة الخاصة التي هي توحيد الإلهية، بل الخلق والأمر والثواب والعقاب، إنما نشأ عن المحبة، ولأجلها، فهي الحق الذي خلقت به السموات والأرض، وهي الحق الذي تضمنه الأمر والنهي، وهي سر التأله، وتوحيدها هو شهادة أن لا إله إلا الله ... اهـ.
هذا، ويخشى على من من بلغ حبه للمعصية أنه يختارها على الإسلام ـ لو خيّر ـ أن يكون قد وقع في المحبة الشركية وجعل لله ندا يساويه في المحبة، فالواجب التوبة من المعصية ومعرفة ما فيها من النقص والتقصير في حق الله تعالى المتفضل بالنعم.
والله أعلم.