الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنود التنبيه في البداية إلى أن اللغة العربية تجب معرفتها على سبيل الكفاية؛ لأنها الطريق لفهم القرآن، والسنة، فإذا قام به البعض، سقط عن الآخرين، وهذا بالنسبة لعموم الأمة.
أما بالنسبة للأعيان: فيجب على المسلم أن يتعلم من العربية ما يؤدي به ما افترضه الله عليه في الصلاة من القراءة، والأذكار؛ لأن ذلك لا يجوز بغير العربية، قال الإمام الشافعي: يجب على كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما يبلغ جهده، في أداء فرضه. اهـ.
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: وأيضًا فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب، والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب، ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية. اهـ.
ولا شك أن من يريد أن يلم بأحكام الشريعة، ويفهم الوحي قرآنًا، وسنة لا بد له من معرفة اللغة العربية، والتمكن من ناصيتها، يقول شيخ الإسلام: ولا بد في تفسير القرآن، والحديث من أن يعرف ما يدل على مراد الله، ورسوله من الألفاظ، وكيف يفهم كلامه، فمعرفة العربية التي خوطبنا بها مما يعين على أن نفقه مراد الله، ورسوله بكلامه، وكذلك معرفة دلالة الألفاظ على المعاني، فإن عامة ضلال أهل البدع كان بهذا السبب، فإنهم صاروا يحملون كلام الله، ورسوله على ما يدَّعون أنه دال عليه، ولا يكون الأمر كذلك. اهـ.
وسبيل معرفة اللغة العربية، والتمكن منها هو دراسة مختلف علومها من نحو، وبلاغة، وغريب، وصرف، وبيان.. ونحو ذلك، وهذه العلوم ـ كما هو معلوم ـ قد ألف فيها العلماء، وأهل اللغة عمومًا مؤلفات كثيرة مختلفة بين القصر، والطول، والتوسط، فعلى من يريد إتقان اللغة العربية أن يلم بتلك الكتب، ويدرسها على من له دراية بها، وينبغي له أن يتدرج فيها، فيبدأ بالقصير السهل، فإذا أتقنه انتقل إلى ما بعده، وهكذا حتى يتقن ذلك العلم، وينبغي كذلك أن يقتصر الدارس على فن واحد حتى لا يتشتت ذهنه، ويقل تركيزه، وقد روي عن الإمام ابن شهاب الزهري ـ رحمه الله ـ أنه قال: من رام العلم جملة ذهب عنه جملة، إنما يؤتى العلم على مر الأيام، والليالي ـ وقيل أيضًا: ازدحام العلم في السمع مضلة الفهم. اهـ.
ولعل من ستدرس عليه يفيدك أكثر في هذا الخصوص، ويرشدك إلى ما يناسبك من الكتب.
والله أعلم.