الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للابن أن يأخذ من مال أبيه إلا بإذنه؛ فإن ذلك يعد من السرقة والاعتداء على مال الغير، إلا إذا كان الأب لا يعطي الابن النفقة الواجبة مع قدرته على ذلك وعجز الابن عن الإنفاق على نفسه، فللابن حينئذ أن يأخذ من مال أبيه ما يكفيه بالمعروف، ودليل ذلك حديث هند بنت عتبة عندما جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي، إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. متفق عليه.
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 31157.
وحيث إن أباك -كما يظهر- ليس مقصرًا معك في حق النفقة الواجبة فليس لك أن تأخذ من ماله إلا ما أذن لك فيه، وإذا أذن لك في شراء شيء معين فليس لك أن تأخذ أكثر من ثمنه وتدخر الباقي لنفسك، وحيث فعلت فإن المبلغ الزائد يعد دَينًا في ذمتك حتى ترجعه، فإما أن تستأذنه فيه وتطلب منه أن يسامحك به، وإما أن تقضيه له، وإذا أردت قضاءه فلا يصح أن تقضيه إلا بمال تملكه أنت ملكًا تامًّا، فلو أخبرته أنك تريد شراء شيء معين وأعطاك مبلغًا لشراء ذلك الشيء فإن هذا المبلغ لا يصح أن يصرف إلا في ما من أجله أعطي، وليس لك أن تقضي به الدين الذي له عليك؛ جاء في أسنى المطالب من كتب الشافعية في من وهب هبة واشترط صرفها في شيء معين: ولو أعطاه دراهم وقال: اشتر لك بها عمامة. أو: ادخل بها الحمام. أو نحو ذلك، تعينت لذلك، مراعاة لغرضه، هذا إن قصد ستر رأسه بالعمامة، وتنظيفه بدخوله الحمام، لما رأى به من كشف الرأس، وشعث البدن ووسخه. اهـ.
أما لو طلبت منه مالًا دون تحديد ما يصرف فيه، وأعطاك إياه فإنك تتملكه بمجرد حوزه، وحينئذ يكون لك أن تدفعه اليه عن دينك.
والله أعلم.