الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يغفر لك ذنبك، وأن يلهمك رشدك، وأن يقيك شر نفسك.
ووصيتنا لك أن تتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا جامعة لشروط قبولها، من الندم على ما سلف، والإقلاع عنه خوفا من الله تعالى وتعظيما له وطلبا لمرضاته، والعزم الصادق على عدم العودة إليها أبدا، فإن من تاب تاب الله عليه، ورحمة الله تعالى واسعة، قال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام:54}، وقال عز وجل: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا {النساء:110}، وقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، وقال تبارك وتعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا {النساء:17}، ولما حكى الله تعالى مقولة الكفر للمثلثين الذين اتخذوا عيسى ـ عليه السلام ـ إلها من دون الله، قال بعدها: أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة:74}.
وأما ما سمعته وفهمت منه عدم قبول توبة المستهزئ بالله تعالى أو الساب له عز وجل، فليس بصحيح، والخلاف الحاصل بين أهل العلم في قبول توبة الساب، إنما هو في رفع القتل عنه بالتوبة، لا في انتفاعه بتوبته عند الله تعالى في الآخرة، وقد سبق لنا التنبيه على ذلك في الفتوى رقم: 117954، ولذلك نقول: توبة الساب نافعة مقبولة في الآخرة إجماعا، وأما في الدنيا فهي صحيحة عند جمهور أهل العلم، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 118361.
وأما العمل الصالح الذي عمله المرتد قبل كفره، فمن أهل العلم من يقول إنه يحبط بمجرد الردة، ومنهم من يقيد ذلك بموته على الردة، وهذا الخلاف جار في حكم من حج ثم ارتد ثم تاب، والراجح أن المرتد إذا عاد إلى الإسلام لا يجب عليه إعادة الحج، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 9643، 37185، 73587، ومع ذلك فلو حج السائل بعد توبته لكان خيرا له، فإن الحج يهدم ما قبله، وليس للحج المبرور ثواب دون الجنة.
وأما صيام رمضان القادم وصلاة التراويح، وكذلك سائر الصالحات من الواجبات والمستحبات، فشأنك فيها شأن سائر المسلمين، فلتجتهد في الأعمال الصالحة؛ إصلاحا لما مضى، وتعويضا لما فات.
ثم إننا نوصي السائل بالبعد عن أسباب الفتن، والبحث عن بيئة صالحة، والحرص على طلب العلم وتلاوة القرآن والمواظبة على حظ من النوافل.
والله أعلم.