الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالرد على هذه المسألة: أن النجاشي -رحمه الله- كان معذورا في ذلك؛ لكون جل الأحكام الشرعية لم تبلغه، بسبب وجوده في أرض الكفر، وعدم قدرته على الهجرة، إضافة إلى كونه لم يستطع إظهار إسلامه، ولا تطبيقه في الظاهر. فكان حاله، مثل حال مؤمن آل فرعون، الذي يكتم إيمانه، وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وصلى عليه عندما مات؛ لأنه اتقى الله على حسب طاقته، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في دار الكفر، وعلم أنه رسول الله، فآمن به، وآمن بما أنزل عليه، واتقى الله ما استطاع، كما فعل النجاشي وغيره، ولم يمكنه الهجرة إلى دار الإسلام، ولا التزام جميع شرائع الإسلام، لكونه ممنوعا من الهجرة، وممنوعا من إظهار دينه، وليس عنده من يعلمه جميع شرائع الإسلام؛ فهذا مؤمن من أهل الجنة، كما كان مؤمن آل فرعون مع قوم فرعون، وكما كانت امرأة فرعون، بل وكما كان يوسف الصديق عليه السلام، مع أهل مصر; فإنهم كانوا كفارا، ولم يكن يمكنه أن يفعل معهم كل ما يعرفه من دين الإسلام، فإنه دعاهم إلى التوحيد، والإيمان، فلم يجيبوه. اهـ.
وقال أيضا: لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر، وقد آمن، وهو عاجز عن الهجرة، لا يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها، بل الوجوب بحسب الإمكان. وكذلك ما لم يعلم حكمه، فلو لم يعلم أن الصلاة واجبة عليه، وبقي مدة لم يصل، لم يجب عليه القضاء في أظهر قولي العلماء.
وهذا مذهب أبي حنيفة، وأهل الظاهر، وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد. وكذلك سائر الواجبات من صوم شهر رمضان، وأداء الزكاة وغير ذلك. ولو لم يعلم تحريم الخمر، فشربها، لم يحد باتفاق المسلمين. اهـ.
والله أعلم.