الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما دامت الشركة تمنع موظفيها من القيام بتزويدها بالعمال، فليس لك أن تخالف ذلك، وتقوم بتزويدها بالعمال بطريق مباشر، أو غير مباشر؛ لأن الأصل أن لها غرضًا معتبرًا في ذلك، والمسلمون على شروطهم، وإذا قمت بذلك فإنك تأثم بمخالفة الشرط، لكن ذلك لا يحرم عليك ما اكتسبته من العمل الذي لا تسمح شركتك به، كما بينا في الفتوى رقم: 111316.
ثم إذا تجاوزنا هذه النقطة فإن القيام بتزويد الشركة بالعمال له حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون المزود يستأجر العمال على حسابه الخاص بمبلغ معلوم، ثم يقوم بتأجيرهم للشركة بما يتم الاتفاق عليه بينهما، وهذا لا إشكال فيه، إذا حصل برضى من العمال، وحينئذ لا حرج في أن تدفع الشركة للمزود خمسين ـ مثلًا ـ عن كل عامل، ويدفع هو للعامل أربعين؛ لأنه اتفق معه على الأربعين فقط، والباقي يكون له، وهذا بشرط موافقة العامل على العمل عند من لم يستأجره -الشركة-، وإلا فليس للمزود تأجيره لغيره، جاء في الشرح الممتع على زاد المستقنع: وهل يملك إذا استأجره لخدمته أن يؤجره آخرَ لخدمته؟ لا يملك ذلك؛ لأنه غير مالك له؛ لأنه إنما ملك منفعته لنفسه، ولا يمكن أن يحولها إلى آخر إلا إذا رضي فلا بأس، وعلى هذا يتنزل ما يفعله بعض الناس الآن، يأتون بالخدم من الخارج متفقين معهم على عمل معين، ثم يستأجره إنسان آخر من الرجل الذي أتى به، فنقول: إن وافق الأجير فلا بأس، والفرق بين الأجرتين إذا رضي العامل فهي لمستأجر العامل الأول، فمثلاً: لو جاء به وراتبه ثلاثمائة ريال في الشهر، يعني كل يوم عشرة ريالات، فأجره بإذنه بخمسة عشر ريالاً في اليوم، فإن الخمسة الزائدة تكون للذي استأجره أولاً؛ لأنه رضي أن يعمل عند شخص آخر، وهو مالك لمنفعته، أما إذا أبى وقال: أبدًا أنا لا أعمل عند غيرك إلا إذا أعطيتني الفرق بين أجرتك وأجرة الآخر، فهو حر يملك هذا. اهـ
الحالة الثانية: أن يكون المزود لا يستأجر العمال، وإنما هو مجرد وسيط بينهم وبين الشركة، وهنا يجوز له أن يأخذ أجرًا على وساطته تلك، من العمال، ومن جهة العمل، بشرط أن يكون الأجر معلومًا.
ومن ثم؛ فلو اتفق مع العامل على أخذ نسبة من راتبه، فلا بأس بذلك، شريطة تحديد المدة التي سيأخذ النسبة خلالها، وأن يكون راتب العامل معلومًا أيضًا؛ لئلا تكون نسبة من مجهول، فتكون مجهولة بسبب ذلك، وانظر الفتوى رقم: 206512، ورقم: 56730.
لكن يبقى أن مسألة تسديد الرواتب عن الشركة تعتبر إقراضًا لها.
ومن ثم؛ فإن كان مشترطًا في العقد فإنه يكون ممنوعًا؛ لأن اشتراطها يؤدي إلى اجتماع سلف ومعاوضة، وهو في معنى الجمع بين سلف وبيع، وقد جاء في الحديث: لا يحل سلف وبيع. رواه الترمذي كما أنه أيضا سلف جر نفعًا، وإن كانت تبرعًا من المزود دون شرط فلا بأس بها.
والله أعلم.