الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسرقة من كبائر الذنوب، وعلى من قام بها أن يتوب إلى الله تعالى منها، وأن يعيد ما سرق لصاحبه أو يستحله منه.
وعليه؛ فإن الواجب عليك -مع التوبة- رد ما سرقت إلى أقربائك أو طلب المسامحة منهم، ولا يكفي التصدق به عنهم؛ لأن التصدق بالمال المسروق وما في معناه إنما يكون في حال تعذر رده بسبب عدم معرفة صاحبه أو عدم إمكانية الوصول إليه؛ جاء في المجموع للنووي: قال الغزالي: إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه، فإن كان له مالك معين وجب صرفه إليه أو إلى وكيله، فإن كان ميتًا وجب دفعه إلى وارثه، وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة؛ كالقناطر، والربط، والمساجد، ومصالح طريق مكة، ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه، وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء. اهـ.
وطلب المسامحة على وجه عام -بأن يطلب الشخص ممن ظلمه إبراءه عن كلّ عين ودين وحقّ، وصاحب الحق لا يعلم بذلك الحق الذي له- مختلف فيه هل يكفي في البراءة منه أم لا يكفي؟
جاء في المغني لابن قدامة: وأما إن كان من عليه الحق يعلمه, ويكتمه المستحق, خوفًا من أنه إذا علمه لم يسمح بإبرائه منه, فينبغي أن لا تصح البراءة فيه. اهـ.
وفي الفتاوى الهندية: قال لآخر: حللني من كل حق هو لك عليّ. ففعل وأبرأه، إن كان صاحب الحق عالمًا به برئ حكمًا وديانة, وإن لم يكن عالمًا به برئ حكمًا بالإجماع, وأما ديانة فعند أبي يوسف -رحمه الله تعالى- يبرأ، وعليه الفتوى, هكذا في الخلاصة. اهـ.
ولا شك أن الأحوط لدينك أن يكون صاحب الحق عالمًا بهذا الحق الذي يحللك منه.
أما عند رد الحق فلا يشترط الإخبار بشأنه، بل يكفي أن توصليه إليهم بالطرق التي تناسبك، والتي لا يفتضح بها أمرك؛ قال الشيخ/ ابن عثيمين -رحمه الله-: يجب على من عنده مظالم للناس إذا تاب إلى الله أن يرد المظالم إلى أهلها، فلو سرق إنسان من شخص سرقة، وتاب إلى الله، فلا بد أن يرد السرقة إلى صاحبها، وإلا لم تصح توبته، ولعل قائلًا يقول: مشكلة إن رددتها إلى صاحبها أفتضح، وربما يقول صاحبها إن السرقة أكثر من ذلك. فيقال: يستطيع أن يتحيل على هذا بأن يكتب مثلًا كتابًا، ولا يذكر اسمه ويرسله إلى صاحب السرقة مع السرقة، أي مع المسروق، أو قيمته إن تعذر، ويقول في الكتاب: هذه لك من شخص اعتدى فيها، وتاب إلى الله، ومن يتق الله يجعل له مخرجًا. اهـ.
والله أعلم.