الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن وقوع الحشرات ـ التي ليس لها دم كالصراصير ـ في الماء أو في غيره لا ينجسها، ولو كان قليلا أو ماتت فيه عند جمهور أهل العلم، ويبقى صالحا للاستعمال في العبادة والعادة كالوضوء والشرب، لما رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه، فإن في أحد جناحيه داءً، وفي الآخر دواءً.
قال ابن القيم في زاد المعاد: فَهُوَ دَلِيلٌ ظَاهِرُ الدَّلَالَةِ جِدًّا عَلَى أَنَّ الذُّبَابَ إِذَا مَاتَ فِي مَاءٍ أَوْ مَائِعٍ، فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُهُ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَلَا يُعْرَفُ فِي السَّلَفِ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ.. ثُمَّ عُدِّيَ هَذَا الْحُكْمُ إِلَى كُلِّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، كَالنَّحْلَةِ وَالزُّنْبُورِ، وَالْعَنْكَبُوتِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.
وقال الحطاب عند قول خليل في المختصر: الطَّاهِرُ مَيْتُ مَا لَا دَمَ لَهُ ـ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً وَلَوْ كَانَتْ فِيهِ رُطُوبَةٌ كَالْعَنْكَبُوتِ وَالْجُدَاجُدُ وَالْعَقْرَبِ وَالزُّنْبُورِ وَالصِّرْصَارِ وَالْخَنَافِسِ وَبَنَاتِ وَرْدَانَ وَالْجَرَادِ وَالنَّحْلِ وَالدُّودِ وَالسُّوسِ وَشَبَهِ ذَلِكَ.
وجاء في المغني لابن قدامة: وَإِذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ الْيَسِيرِ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ مِثْلُ الذُّبَابِ وَالْعَقْرَبِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَلَا يُنَجِّسُهُ.
وقد استثنى بعض أهل العلم مما لا دم له ما كان متولدا من نجس كصراصير الكُنُف بناء على القول بأن النجاسة لا تطهر بالاستحالة، وسواء في ذلك الحي منها والميت، وأما على القول بأنها تطهر بالاستحالة فصراصير الكنف طاهرة كغيرها مما ليس له دم، قال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ في الشرح الممتع: ومفهوم قوله: متولِّد من طَاهرٍ، أنَّه إِذا تولَّد من نَجِسٍ فهو نَجِسٌ، وهذا مبنيٌّ على أنَّ النَّجس لا يطهُر بالاستحالة، وأمَّا على قول من يقول: بأنَّ النَّجس يطهر بالاستحالة فإِن ميتته طاهرة، وعليه فلا يشترط أن يكون متولِّداً من طاهر، فصراصير الكُنُفِ ـ المراحيض ـ على المذهب ـ نجسة لأنها متولِّدة من نجس، وعلى القول الثَّاني طاهرة.
والحاصل أن الحشرات التي لا دم لها طاهرة لا يتنجس ما وقعت فيه من ماء أو طعام.
والله أعلم.