الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تعارض هنا بين تسديد الدَّين الذي عليك وإخراج زكاة مالك؛ لأن المال الذي عندك يكفيهما معًا -كما هو واضح-.
وعلى هذا؛ فإن الواجب أن تسدد الدَّين إذا كان حالًّا، وأن تخرج أيضًا زكاة مالك إن توفرت شروط وجوبها؛ لأن المال يسعهما معًا، وإن كان المال لا يسعهما فاختلف في أيهما يقدم؛ فمن أهل العلم من قال: يقدم الدين لأن حقوق الآدميين مبنية على المشاحة، بخلاف حقوق الله فهي مبنية على المسامحة. ومنهم من قال: تقدم الزكاة إلا إذا كان المدين محجورًا عليه فيقدم الدين ما لم تتعلق الزكاة بعين المال؛ جاء في شرح زاد المستقنع للشنقيطي: إذا ازدحم حق الله وحق المخلوق قدِّم حق المخلوق؛ لأن المخلوق يطالب بحقه، والله -عز وجل- كريم يرحم عبده إذا ضاقت يده، أو فاته الوقت عن الأداء أو وُجد عنده العذر، ولذلك قالوا: إذا ازدحمت الزكاة والدَّين يقدَّم حق الدَّين على الزكاة، ويخرج من المال الديون، فإذا فضَل فضْل أخرج في زكاته، وهكذا إذا كانت عليه كفارات وحقوقٌ أخرى، فإنه يُخرج منها بعد أداء ديون العباد. اهـ.
وفي شرح أخصر المختصرات: ذكروا أن حقوق الآدميين مبنية على المشاحة والمضايقة، فلذلك نعرف أنها تؤدى قبل حقوق الله تعالى كالزكاة والحج؛ لأنها مبنية على المسامحة والمساهلة. اهـ.
وفي نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: إذا اجتمعا -أي الدين والزكاة- على حيّ وضاق ماله عنهما، فإن كان محجورًا عليه قدم حق الآدمي، وإلا قدمت الزكاة، ويجب تقييده بما إذا لم تتعلق الزكاة بالعين، وإلا قدمت مطلقًا. اهـ.
وفي السراج الوهاج: وَأما لَو اجْتمعَا على حَيّ، فان كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ قدم حق الْآدَمِيّ، وإلا قدمت، وَتقدم أَيْضًا إِذا تعلّقت بِالْعينِ. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 136767.
والله أعلم.