الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالقول بأن شكل الكون مسطح: قول خاطئ، يخالف الحقائق العلمية الثابتة، ويخالف ظواهر الكتاب، والسنة، واتفاق المعتبرين من علماء الأمة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 125630.
وأما الحكم بالكفر على من قال ذلك، فلا يصح؛ لأنه لم يكذب بنص قاطع، وإنما تأويل معناها على غير المراد منها! كمن قال بأن الأرض مسطحة، وتأول في ذلك قوله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ـ إلى قوله : ـ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية: 17 - 20] وقوله: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا} [الرعد: 3] وقوله: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} [الحجر: 19] وقوله: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا} [نوح: 19] ونحو ذلك من الآيات. فإنه وإن أخطأ في الاستدلال، إلا إنه لم يُكذّب بالآية، فيحكم عليه بالكفر، ومع ذلك فخطؤه قد يكون سيئ الأثر جدا على نفسه، وعلى غيره.
قال الشيخ الغنيمان في (شرح فتح المجيد): بعض الناس قد يقول قولاً يظنه حقاً، ويصر عليه، ويزعم أن القرآن يدل على ذلك، ولما يتثبت بعد من صحة ما فهم، فيكون في هذا فتنة له، ولغيره. فمثلاً الذي يقول: إن القمر في السماء، وإنه ملاصق لها! وقد شاهد الناس، أو المختصون بهذا، بُعْد القمر عن السماء، وأنه إلى الأرض أقرب منها إلى السماء بكثير جداً، فإذا ما سمع خبراء الفلك، وعلماء الكواكب التفسير السابق المدعم بالأدلة - كما يزعم صاحبه- ظنوا أن القرآن يخالف الواقع، والحقائق العلمية، وما كان كذلك فلا يكون صحيحاً. كما أنه وجد -مثلاً- من يقول: بأن الأرض مسطحة، وليست كروية، مستدلاً على ذلك بقول الله جل وعلا: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ... وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20]، وقال في الآية الأخرى: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات:30] وما أشبه ذلك، فإذا سمع الإنسان الذي يعرف كروية الأرض، وليس عنده في ذلك شك، فإنه سينسب الخطأ إلى القرآن، وسيقول: هذا دليل على أن القرآن ليس صحيحاً، ولو كان صحيحاً ما كان مخالفاً للواقع، فيكون فتنة له، ولهذا لا يجوز للإنسان أن يتكلم بالشيء الذي لا يعرفه، بل يجب أن يكون كلامه عن علم ومعرفة، وألا يقول على الله جل وعلا شيئاً لا يعرف حقيقته. اهـ.
وأما وجه الخطأ في الاستدلال السابق، فبينه كثير من أهل العلم.
قال العلامة الطاهر بن عاشور في (التحرير والتنوير): المد: البسط، أي بسطنا الأرض فلم تكن مجموع نتوءات؛ إذ لو كانت كذلك، لكان المشي عليها مرهقا. والمراد: بسط سطح الأرض، وليس المراد وصف حجم الأرض؛ لأن ذلك لا تدركه المشاهدة، ولم ينظر فيه المخاطبون نظر التأمل، فيستدل عليهم بما لا يعلمونه، فلا يعتبر في سياق الاستدلال على القدرة على خلق الأمور العظيمة، ولا في سياق الامتنان بما في ذلك الدليل من نعمة، فلا علاقة لهذه الآية بقضية كروية الأرض. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين: قد استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن الأرض ليست كروية، بل سطح ممتد! لكن هذا الاستدلال فيه نظر؛ لأن هناك آيات تدل على أن الأرض كروية، والواقع شاهد بذلك .. اهـ.
وقال الشيخ عطية سالم في تتمة أضواء البيان: قوله: {كيف سطحت} آية ثابتة؛ لأن جرمها مع إجماع المفسرين على تكويرها، فإنها ترى مسطحة، أي: من النقطة التي هي في امتداد البصر، وذلك يدل على سعتها، وكبر حجمها؛ لأن الجرم المتكور إذا بلغ من الكبر، والضخامة حدا بعيدا، يكاد سطحه يرى مسطحا من نقطة النظر إليه. اهـ.
وقال في موضع آخر: إذا كان علماء الإسلام يثبتون كروية الأرض، فماذا يقولون في قوله تعالى: {إلى الأرض كيف سطحت}؟ وجوابهم كجوابهم على قوله تعالى: {حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة}، أي في نظر العين؛ لأن الشمس تغرب عن أمة، وتستمر في الأفق على أمة أخرى، حتى تأتي مطلعها من الشرق في صبيحة اليوم الثاني، ويكون بسط الأرض وتمهيدها نظرا لكل إقليم، وجزء منها؛ لسعتها، وعظم جرمها. وهذا لا يتنافى مع حقيقة شكلها، فقد نرى الجبل الشاهق، وإذا تسلقناه ووصلنا قمته، وجدنا سطحا مستويا، ووجدنا أمة بكامل لوازمها، وقد لا يعلم بعض من فيه عن بقية العالم، وهكذا. اهـ.
والله أعلم.