الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا يجوز للولد أن يدفع زكاة ماله لأبيه بوصف الفقر؛ قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم، ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته وتسقطها عنه ويعود نفعها إليه، فكأنه دفعها إلى نفسه، فلم تجز، كما لو قضى بها دينه. اهـ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: دفع الزَّكَاة إِلَى الْوَالِد لَا يجوز عِنْد الْأَئِمَّة المتبوعين فِي الْمَشْهُور عَنْهُم؛ إِلَّا إِذا أَخذهَا لكَونه غارما لإِصْلَاح ذَات الْبَين أَو للْجِهَاد وَنَحْوه مِمَّا فِيهِ مصلحَة للْمُسلمين، وَأما إِذا كَانَ غارما فِي مصلحَة نَفسه فَفِيهِ خلاف وجوازه قوي ... اهـ.
وسبب المنع: أنه إذا كان والده فقيرًا فإن نفقته حينئذ واجبة على ولده، فلا يسقط النفقة الواجبة عليه لأبيه بالزكاة الواجبة في ماله، لكن إذا كان الولد عاجزًا عن النفقة فيجوز له في هذه الحال أن يدفع زكاته له، قال شيخ الإسلام: يجوز دفع الزكاة إلى الوالدين، والولد، إذا كانوا فقراء، وهو عاجز عن الإنفاق عليهم، وهو أحد القولين في مذهب أحمد، ويشهد له العمومات. وقال: وَأَمَّا إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ نَفَقَتِهِمْ فَالْأَقْوَى جَوَازُ دَفْعِهَا إلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ مَوْجُودٌ وَالْمَانِعَ مَفْقُودٌ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْمُقْتَضِي السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُقَاوِمِ. اهـ.
إذا تبين هذا؛ فانظر في حالك مع أبيك فإن كنت قادرًا على النفقة عليه في ذلك الوقت لم يجز لك أن تدفع زكاتك له، ولا تجزئ عنك الزكاة التي دفعها والدك في أجرة السكن سابقًا، فيلزمك بدلها، وإن كنت عاجزًا عن النفقة عليه فنرجو أن يجزئك ذلك، وراجع هذا التفصيل فيما استجد من أمرك، وانظر الفتوى رقم: 127960 في الحالات التي يجوز فيها دفع الزكاة للأب.
والله تعالى أعلم.