الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعامة من المسلمين يؤمرون في مسائل الاعتقاد بالجمل الثابتة من الكتاب والسنة والإجماع، ولا يؤمرون بتعلم المسائل التفصيلية الدقيقة في العقائد، ولا يخاطبون بها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: الواجب أمر العامة بالجمل الثابتة بالنص والإجماع، ومنعهم من الخوض في التفصيل الذي يوقع بينهم الفرقة والاختلاف، فإن الفرقة والاختلاف من أعظم ما نهى الله عنه ورسوله. انتهى.
ولا يجب على عامة الناس حفظ العقيدة بأدلتها، بل ينفعهم اعتقادهم الصحيح، ولو نسوا الدليل بعدما علموه، قال الشيخ صالح آل الشيخ ـ حفظه الله ـ في شرح ثلاثة الأصول: استدل العلماء بقول هذا المفتون في قبره: سمعت الناس يقولون شيئا فقلته ـ على أن التقليد لا يصلح في جواب هذه المسائل الثلاث، جواب: من ربك؟ يعني من معبودك؟ جواب: ما دينك؟ جواب: من نبيك؟ ولهذا يذكر الشيخ الإمام ـ رحمه الله تعالى ـ بعد كل مسألة مما سيأتي، يذكر الدليل من القرآن وقد بينا في أول هذا الشرح، أن المؤمن يخرج من التقليد، ويكون مستدلا بما يعلمه، ويعتقده من هذه المسائل بالحق إذا علم الدليل عليها مرة في عمره، ثم اعتقد ما دل عليه الدليل، فإن استقام على ذلك حتى موته، فإنه يكون مؤمنا، يعني مات على الإيمان، لأن استمرار استحضار الدليل والاستدلال لا يُشترط، لكن الذي هو واجب أن يكون العبد في معرفته للحق في جواب هذه المسائل الثلاث، أن يكون عن دليل واستدلال ولو لِمرّة في عمره، ولهذا يعلم الصغار والأطفال عندنا رسالة الأصول الثلاثة الأخرى التي فيها جواب أيضا مع بعض الاستدلال بأقصر مما هنا، يُعلَّمون جواب هذه المسائل الثلاث، حتى إذا بلغ الغلام أو الجارية، إذا هو قد عرف عن دليل واستدلال. انتهى.
وكثير من عامة الناس يحقق شروط لا إله إلا الله وهو لا يحسن عدها، قال الشيخ حافظ حكمي ـ رحمه الله ـ عن شروط لا إله إلا الله: وَمَعْنَى اسْتِكْمَالِهَا اجْتِمَاعُهَا فِي الْعَبْدِ، وَالْتِزَامُهُ إِيَّاهَا بِدُونِ مُنَاقَضَةٍ مِنْهُ لِشَيْءٍ مِنْهَا, وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ عَدَّ أَلْفَاظِهَا وَحِفْظَهَا، فَكَمْ مِنْ عَامِّيٍّ اجْتَمَعَتْ فِيهِ وَالْتَزَمَهَا وَلَوْ قِيلَ لَهُ: أُعْدُدْهَا لَمْ يُحْسِنْ ذَلِكَ, وَكَمْ حَافِظٍ لِأَلْفَاظِهَا يَجْرِي فِيهَا كَالسَّهْمِ وَتَرَاهُ يَقَعُ كَثِيرًا فِيمَا يُنَاقِضُهَا, وَالتَّوْفِيقُ بِيَدِ اللَّهِ, وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. انتهى.
وأما مسألة العذر بالجهل في أصول الدين: فقد تكلمنا عليها في فتاوى كثيرة، ولا وجه لإعادة الكلام هنا، وإنما نحيلك على بعضها، فراجع على سبيل المثال الفتاوى التالية أرقامها: 75673، 111072، 123136، 156483، 273493.
وأما ما سألت عنه من دعوة المسلمين المقصرين في دينهم علما وعملا، فنقول: اعلم أن من أعظم أساليب الدعوة إلى الله تعالى الدعوة السلوكية، وهي أن يطبق المسلم دين الله تعالى، فإذا رآه الناس اقتدوا به وساروا كسيره، وصدق السريرة وصحة القصد هما الأصل الأصيل الذي ينبني عليه قبول الدعوة إلى الله تعالى، لأن ما خرج من القلب يصل إلى القلب، وما خرج من اللسان لا يتجاوز الآذان، والأخذ بأسباب قبول الدعوة مطلوب شرعا، وذلك بأن يتبع الداعي الضوابط الشرعية في أمره ونهيه، كمراعاة حال المدعو، واستخدام الأسلوب المشوق في الدعوة إلى الله مع تنويعه. ولا بأس أن تبدأ مع من ذكرتهم بالتذكير بعظمة الخالق وما له من الأسماء الحسنى والصفات العليا، ولك أن تجمع بين هذا التذكير وبين تعليمهم معنى لا إله إلا الله ولوازمها، بل إن كلمة التوحيد متضمنة لعظمة الله، وقد ذكرنا كثيرا من الفتاوى التي تبين أفضل الطرق في الدعوة إلى الله، فراجع منها الفتاوى التالية أرقامها: 60007، 65335، 71265، 129094، 184699، 211987، 289756.
والله أعلم.