الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد يكون هذا القول صحيحا باعتبار ما، وإيضاح ذلك أن النجاة من النار سببها العمل الصالح، ولقبول هذا العمل شرطان، أحدهما: النية الصالحة، وهي الإخلاص لله تعالى، والثاني: موافقة الشرع، كما قال تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا {الكهف:110}.
وقال تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا {الملك:2}.
قال الفضيل: أحسنه أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي؛ ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة.
قال الحكمي رحمه الله:
شرطُ قبولِ السعيِ أن يجتمعا فيه إصابةٌ وإخلاصٌ معا
لله ربِّ العرشِ لا سواهُ موافق الشرع الذي ارتضاهُ
وكلُّ ما خالف للوحيينِ فإنه ردٌّ بغير مينِ
فإذا علمت هذا، فإن من تقرب لله -مثلا- بما ليس بقربة، بل هو من البدع والأهواء المضلة غير موافق في تقربه هذا للشرع الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم لم يزدد من الله إلا بعدا وكان عمله مردودا عليه، وقد كذب ناس في الحديث فوضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب وقالوا: نحن نكذب لرسول الله لا عليه، وهؤلاء وأمثالهم ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ومثل ذلك أهل الأهواء الذين حادوا عن سنة محمد صلى الله عليه وسلم، فهم وإن كانت لهم في ذلك نيات صالحة، فإن نياتهم لا تنفعهم إذ كانت عقائدهم وأعمالهم غير مطابقة لما بعث به صلى الله عليه وسلم، قال ابن القيم رحمه الله: فلا يقبل الله من العمل إلا ما كان خَالِصًا لِوَجْهِهِ، عَلَى مُتَابَعَةِ أَمْرِهِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى عَامِلِهِ، يُرَدُّ عَلَيْهِ أَحْوَجَ مَا هُوَ إِلَيْهِ هَبَاءً مَنْثُورًا، وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ـ وَكُلُّ عَمَلٍ بِلَا اقْتِدَاءٍ فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ عَامِلَهُ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا يُعْبَدُ بِأَمْرِهِ، لَا بِالْآرَاءِ وَالْأَهْوَاءِ.... وقال مبينا مثال هؤلاء الحابطة أعمالهم المردودة عليهم: الضَّرْبُ الثَّالِثُ: مَنْ هُوَ مُخْلِصٌ فِي أَعْمَالِهِ، لَكِنَّهَا عَلَى غَيْرِ مُتَابَعَةِ الْأَمْرِ، كَجُهَّالِ الْعُبَّادِ، وَالْمُنْتَسِبِينَ إِلَى طَرِيقِ الزُّهْدِ وَالْفَقْرِ، وَكُلِّ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَاعْتَقَدَ عِبَادَتَهُ هَذِهِ قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ فَهَذَا حَالُهُ، كَمَنْ يَظُنُّ أَنَّ سَمَاعَ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ قُرْبَةٌ، وَأَنَّ الْخَلْوَةَ الَّتِي يَتْرُكُ فِيهَا الْجُمْعَةَ وَالْجَمَاعَةَ قُرْبَةٌ، وَأَنَّ مُوَاصَلَةَ صَوْمِ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ قُرْبَةٌ، وَأَنَّ صِيَامَ يَوْمِ فِطْرِ النَّاسِ كُلِّهِمْ قُرْبَةٌ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. انتهى.
فإذا كان المعني بهذا القول أن من أخلص نيته لله ولم يكن عمله على السنة، فليس عمله مقبولا، وهو عرضة للعقوبة فهذا كلام صحيح.
والله أعلم.