الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنبشرك أيها الأخ الكريم بأنك ما دمت تسعى وتجتهد في تسديد ما عليك بصدق، وإخلاص، فأنت على خير، وتوبتك صحيحة إن شاء الله.
وحيث تبت إلى الله توبة نصوحا، وعجزت عن أداء حقوق العباد حتى توفاك الله، فنرجو لك من الله سبحانه أن يصلح بينك وبين العباد، فيرضيهم بما شاء جل وعلا.
وقد عقد القرطبي في كتاب: "التذكرة" بابا في إرضاء الله تعالى الخصوم يوم القيامة، أورد فيه بعض الأحاديث الدالة على ذلك.
وقال: وهذا لبعض الناس ممن أراد الله بها أن لا يعذبه، بل يعفو عنه، ويغفر له، ويرضي عنه خصمه، وقد يكون هذا في الظالمين الأوابين، وهو قوله تعالى: { إنه كان للأوابين غفورا } والأواب: الذي أقلع عن الذنب فلم يعد إليه. كذا تأوله أبو حامد، وهو تأويل حسن، أو يكون ذلك فيمن يكون له خبيئة حسنة من عمل صالح، يغفر الله له به، ويرضى خصماؤه كما تقدم. اهـ.
وعلى ذلك، فيمكن حمل حديث المفلس على من لم يتب، أو لم يرد الله له النجاة. أما من وفقه الله إلى التوبة النصوح الصادقة، لكنه عجز عن أداء الحقوق، فنرجو له من الله سبحانه أن يتجاوز عنه.
وانظر الفتاوى أرقام: 170689، 114435، 289819
وبخصوص الحقوق التي تعجز عن أن تجد أصحابها، فإنك تتصدق بها عنهم إن كانت مادية.
أما بخصوص التحلل من الحقوق المعنوية كالغيبة ونحوها، فراجع الفتويين: 18180، 99131 وإحالاتها.
وأما القضاء بين العباد فيما بينهم من حقوق، فإنه يكون بعد العبور على الصراط، كما جاء في صحيح البخاري وغيره، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا خلص المؤمنون من النار، حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار، فيتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا نقوا، وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة، فو الذي نفس محمد بيده، لأحدهم بمسكنه في الجنة، أدل بمنزله كان في الدنيا.
وهذا إنما يكون لمن أراد الله سبحانه لهم النجاة، وإلا لم يخلصوا من عبور الصراط أصلا.
قال القرطبي في التذكرة: ولا يخلص منه إلا المؤمنون الذين علم الله منهم أن القصاص لا يستنفذ حسناتهم. اهـ.
وعلى هذا، فمن خلص، وعبر فهو ممن أراد الله له النجاة، فيلقي الله العفو في قلوب خصومه، أو يعوضهم الله.
قال ابن الملقن: وقوله: (يتقاصون) أي: يتتاركون؛ لأنه ليس موضع مقاصة، ولا حساب؛ لكن يلقي الرب جل جلاله في قلوبهم العفو لبعضهم عن بعض، فيتتاركون، أو يعوض الله بعضهم من بعض. التوضيح لشرح الجامع الصغير.
والله أعلم.