الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب من أقبح الخصال، وإن لم يصل إلى الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو إلى الحلف كاذبًا، وراجعي في ذم الكذب الفتويين: 3809، 247153.
وقد ذكرنا بالفتوى رقم: 274795 أن الكذاب قد يعاقب بوقوعه في النفاق الأكبر؛ فإن الكذب من النفاق الأصغر، وقد يقود إلى النفاق الأكبر.
ولو لم يكن من عقوبة كثرة الكذب سوى أن يكتب عند الله كذابًا، لكان حريًّا بالعاقل أن يتجنبه.
قال النووي في شرح الحديث الذي رواه مسلم: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا»: قَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذَا فِيهِ حَثٌّ عَلَى تَحَرِّي الصِّدْقِ، وَهُوَ قَصْدُهُ وَالِاعْتِنَاءِ بِهِ، وَعَلَى التَّحْذِيرِ مِنَ الْكَذِبِ وَالتَّسَاهُلِ فِيهِ؛ فَإِنَّهُ إِذَا تَسَاهَلَ فِيهِ كَثُرَ مِنْهُ، فَعُرِفَ بِهِ، وَكَتَبَهُ اللَّهُ لِمُبَالَغَتِهِ صِدِّيقًا إِنِ اعْتَادَهُ أَوْ كَذَّابًا إِنِ اعْتَادَهُ، وَمَعْنَى يُكْتَبُ هُنَا: يُحْكَمُ لَهُ بِذَلِكَ، وَيَسْتَحِقُّ الْوَصْفَ بِمَنْزِلَةِ الصِّدِّيقِينَ وَثَوَابِهِمْ أَوْ صِفَةِ الْكَذَّابِينَ وَعِقَابِهِمْ. وَالْمُرَادُ: إِظْهَارُ ذَلِكَ لِلْمَخْلُوقِينَ إِمَّا بِأَنْ يَكْتُبَهُ فِي ذَلِكَ لِيَشْتَهِرَ بِحَظِّهِ مِنَ الصِّفَتَيْنِ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، وَإِمَّا بِأَنْ يُلْقِيَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ وَأَلْسِنَتِهِمْ، كما يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ وَالْبَغْضَاءُ، وَإِلَّا فَقَدَرُ اللَّهِ تعالى وكتابه السابق قد سبق بِكُلِّ ذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
والله أعلم.