الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبلية في الدنيا والدين أساسها الذنوب، فإذا كان العبدُ تصيبه البلايا والمصائب، فليعلم أنه هو المتسبب فيها بمعصيته ومخالفته أمر ربه، فالواجبُ على هذا العبد أن يرجع إلى ربه عز وجل تائباً، وأن يتنصل من ذنبه وجنايته، ويلقي باللوم على نفسه، فإنها المتسببة فيما أصابه من شر، قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {الروم:41}. وقال تبارك وتعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30}.
وعن عليٍ ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة.
ولابد من إخلاص التوبة لله، لا لجاه، ولا لتحصيل دنيا، وإنما لإرضاء الله، واستشعارا للتقصير في حقه، قال ابن القيم: وأما اتهام التوبة: فلأنها حق عليه، لا يتيقن أنه أدى هذا الحق على الوجه المطلوب منه، الذي ينبغي له أن يؤديه عليه فيخاف أنه ما وفاها حقها، وأنها لم تقبل منه، وأنه لم يبذل جهده في صحتها، وأنها توبة علة وهو لا يشعر بها، كتوبة أرباب الحوائج والإفلاس، والمحافظين على حاجاتهم ومنازلهم بين الناس، أو أنه تاب محافظة على حاله، فتاب للحال لا خوفا من ذي الجلال، أو أنه تاب طلبا للراحة من الكد في تحصيل الذنب، أو اتقاء ما يخافه على عرضه وماله ومنصبه، أو لضعف داعي المعصية في قلبه، وخمود نار شهوته، أو لمنافاة المعصية لما يطلبه من العلم والرزق، ونحو ذلك من العلل التي تقدح في كون التوبة خوفا من الله، وتعظيما له ولحرماته، وإجلالا له، وخشية من سقوط المنزلة عنده، وعن البعد والطرد عنه، والحجاب عن رؤية وجهه في الدار الآخرة، فهذه التوبة لون، وتوبة أصحاب العلل لون. اهـ.
وراجع في التخلص من ذلك الفتويين رقم: 7170، ورقم: 266086، وتوابعها.
فكرر التوبة ولا تيأس تجد الفرج ـ إن شاء الله ـ وانظر الفتوى رقم: 217858.
والله أعلم.