الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطلاق الزوجة قبل الدخول أو الخلوة الصحيحة طلاق بائن لا يملك الزوج الرجعة فيه إلا أن يعقد عليها عقداً جديدا، ولا عدة عليها فيه، جاء في دقائق أولي النهى لشرح المنتهى المعروف بشرح منتهى الإرادات: (ولا عدة في فرقة) زوج (حي قبل وطء أو) قبل (خلوة ولا) عدة (لقبلة أو لمس) لقوله تعالى: {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الأحزاب: 49]; ولأن الأصل في العدة وجوبها لبراءة الرحم وهي متيقنة هنا.
وقال ابن قدامة الحنبلي (رحمه الله): أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا تَبِينُ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَسْتَحِقُّ مُطَلِّقُهَا رَجْعَتَهَا. المغني لابن قدامة (7/ 515)
والخلوة الصحيحة هي الخلوة التي يمكن فيها ـ عادة ـ حصول الجماع، جاء في الشرح الصغير للدردير: خَلْوَةً يُمْكِنُ فِيهَا الْوَطْءُ عَادَةً.
وأما مجرد الانفراد مع عدم الأمن من دخول الغير، فلا يعد خلوة صحيحة، جاء في الفتاوى الهندية ـ مختصراً ـ: وَالْمَكَانُ الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ الْخَلْوَةُ أَنْ يَكُونَا آمَنَيْنِ مِنْ اطِّلَاعِ الْغَيْرِ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ إذْنِهِمَا كَالدَّارِ وَالْبَيْتِ ... وَفِي الْبُيُوتَاتِ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْأَرْبَعَةِ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ إذَا خَلَا بِامْرَأَتِهِ فِي الْبَيْتِ الْقُصْوَى إنْ كَانَتْ الْأَبْوَابُ مَفْتُوحَةً مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ، وَكَذَا لَوْ خَلَا بِهَا فِي بَيْتٍ مِنْ دَارٍ وَلِلْبَيْتِ بَابٌ مَفْتُوحٌ فِي الدَّارِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْمَحَارِمِ أَوْ الْأَجَانِبِ يَدْخُلُ؛ لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ.
وعليه؛ فإن كان الأمر قد اقتصر على جلوس المرأة مع زوجها وحدهما يحادثها في مكان لا يؤمَن فيه دخول الغير عليهما، أو ذهابها معه لتحضير السيارة، ونحو ذلك... فهذه لا تعد خلوة صحيحة، وإذا طلقها فلا عدة عليها، ولا يملك رجعتها إلا بعقد جديد، ولا تستحق المهر كله، ولكن لها نصف المهر المسمى إلا أن يعفو أحدهما للآخر عن النصف.
وإذا سألت المرأة زوجها الطلاق من غير إضرار بها من جهته فله أن يمتنع من طلاقها حتى تسقط له حقّها من المهر، أو تبذل له ما يتفقان عليه، وراجع الفتوى رقم: 243343.
والله أعلم.