الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فحقيقة النية هي القصد، ومحلها القلب، فيجب على من أراد فعل ما تشترط له النية، كالطهارة، أو الصلاة، أن ينوي بقلبه ما يريد فعله؛ فينوي بالوضوء أو الغسل رفع الحدث أو استباحة ما لا يستباح إلا بالطهارة، وينوي عند الشروع في الصلاة فعل الصلاة المعينة -ظهرًا كانت أو عصرًا-، وهذه النية على هذا الوجه شرط في صحة العبادة.
أما التلفظ بها باللسان: فالراجح: أنه غير مشروع.
جاء في الموسوعة الفقهية: لم يؤثر عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مشروعية التلفظ بالنية، ولهذا استحب إخفاؤها؛ لأن محلها القلب، ولأن حقيقتها القصد مطلقًا، وخصت في الشرع بالإرادة المتوجهة نحو الفعل مقترنة به ابتغاء رضاء الله تعالى وامتثال حكمه. وقيل: يستحب التلفظ بها باللسان. انتهى.
وأما الجمع بين عدة نيات على النحو الذي ذكرت: فلا حرج فيه، بل أوجبه بعض أهل العلم في مثل حالتك، وإن كان هذا القول ضعيفًا.
جاء في المجموع للنووي: وأما المستحاضة، وسلس البول والمذي، وغيرهم ممن به حدث دائم، ففيهم ثلاثة أوجه: الصحيح، وبه قطع الجمهور: لا تجزيهم نية رفع الحدث وحدها، وتجزيهم نية استباحة الصلاة؛ لأنه لا يرتفع حدثهم مع جريانه، وعلى هذا؛ قال المتولي، وغيره: يستحب لهم الجمع بين نية الاستباحة ورفع الحدث.
والوجه الثاني: يجزيهم الاقتصار على نية رفع الحدث أو الاستباحة، حكاه الماوردي، والرافعي؛ لأن نية رفع الحدث تتضمن الاستباحة.
(والثالث): يلزمهم الجمع بين النيتين. وهو محكي عن أبي بكر الفارسي، وأبي عبد الله الخضري، وأبي بكر القفال المروزي؛ ليكون نية رفع الحدث عن الماضي، ونية الاستباحة عن المقارن والمتجدد، وضعف الأصحاب هذا الوجه أشد تضعيف، وهو حقيق بذلك، قال إمام الحرمين: هذا الوجه غلط لا شك فيه؛ فإن نية الاستباحة كافية، وكيف يرتفع الحدث مع جريانه؟ وإذا لم يرتفع فكيف تجب نيته؟ ونقل المتولي الاتفاق على أنه لا يجب الجمع بينهما، قال المتولي، وغيره: ولأنه إذا أجزأت نية الاستباحة صاحب طهارة الرفاهية فالمستحاضة أولى. اهـ.
وأما العبادات التي من قبيل "الأعمال الخيرية": فالأمر فيها واسع، والأساس فيها أن يقصد الإنسان بفعله ذلك الإخلاص لله تعالى، والتقرب إليه، وأي نية أخرى لا تنافي ذلك لا بأس بجمعها مع هذه النية. وراجع -لمزيد الفائدة- فتوانا رقم: 128169.
وكون زمن النية قبل الفعل أو قبل الشروع في العبادة فيه خلاف، الراجح منه: أن تقدم النية بوقت يسير لا حرج فيه، وانظر للتفصيل أكثر الفتوى رقم: 132505.
أما قولك: "إذن: فهناك استحضار للنية، وتلفظ بها في النفس": فلا إشكال في هذا، ولكن التلفظ يكون باللسان فقط، أما ما كان في النفس فلا يطلق عليه التلفظ؛ لأن اللفظ في الأصل يقال للرمي، وما دام الأمر في النفس فهو لم يلفظ بعد، فإذا نطق به اللسان صار لفظًا؛ جاء في لسان العرب: اللَّفْظُ: أَن تَرْمِي بِشَيْءٍ كَانَ فِي فِيكَ، وَالْفِعْلُ لَفَظ الشيءَ. يُقَالُ: لفَظْتُ الشَّيْءَ مِنْ فَمِي أَلفِظُه لَفْظاً رَمَيْتُهُ، وَذَلِكَ الشَّيْءُ لُفاظةٌ. ولفَظ الرجلُ: مَاتَ. ولفَظ بِالشَّيْءِ يَلْفِظُ لَفظاً: تَكَلَّمَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ..... ولَفَظْت بِالْكَلَامِ وتلَفَّظْت بِهِ أَي: تَكَلَّمْتُ بِهِ. اهـ.
والله أعلم.