الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا حرج على السائلة في فعل ذلك؛ فإن الدعاء لغير المسلمين بمنافع الدنيا جائز ما داموا غير محاربين، وأولى منه الدعاء لهم بالهداية، والتوفيق إلى الدين الحق، فهذا يجوز للكفار جميعًا -محاربين، وغير محاربين-، وإليك طرفًا من كلام أهل العلم في المسألتين:
قال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: يجوز الدعاء للكافر بنحو صحة البدن، والهداية. اهـ.
وجاء في فتاوى النووي: وأما الدعاء له بالهداية فمستحب، وأما التشميت فيستحب تشميته، بأن يقال له: يهديكم الله، كما جاء به الحديث، ويجوز غسله إِذا مات، وزيارة قبره، ولا تجوز الصلاة عليه، ولا الدعاء له بالمغفرة. اهـ.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: يجوز للمسلم أن يعالج بالقرآن غير المسلم إذا لم يكن حربيًا، على وجه ليس فيه تمكين للكافر من مس المصحف، وذلك بالقراءة عليه، والدعاء له بالشفاء، والهداية. اهـ.
وقد عقد البخاري في صحيحه باب: الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم.
قال ابن حجر في فتح الباري: ذكر فيه حديث أبي هريرة في قدوم الطفيل بن عمرو الدوسي، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم اهد دوسًا" وهو ظاهر فيما ترجم له. وقوله: (ليتألفهم) من تفقه المصنف؛ إشارة منه إلى الفرق بين المقامين، وأنه صلى الله عليه وسلم كان تارة يدعو عليهم، وتارة يدعو لهم، فالحالة الأولى حيث تشتد شوكتهم، ويكثر أذاهم كما تقدم في الأحاديث التي قبل هذا بباب، والحالة الثانية حيث تؤمن غائلتهم، ويرجى تألفهم، كما في قصة دوس. اهـ.
وعقد البخاري أيضًا في الأدب المفرد باب: كيف يدعو للذمي؟ أسند فيه عن عقبة بن عامر الجهني: أنه مر برجل هيئته هيئة مسلم، فسلم فرد عليه: وعليك ورحمة الله وبركاته. فقال له الغلام: إنه نصراني! فقام عقبة فتبعه حتى أدركه. فقال: "إن رحمة الله وبركاته على المؤمنين، لكن أطال الله حياتك، وأكثر مالك، وولدك". وحسنه الألباني.
وعقد ابن أبي شيبة في مصنفه بابًا في الدعاء للمشرك، روى فيه عن إبراهيم النخعي، قال: جاء رجل يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ادع لي، فقال: "أكثر الله مالك، وولدك، وأصح جسمك، وأطال عمرك". وعن إبراهيم قال: "لا بأس أن يقول لليهودي والنصراني: هداك الله". وعن قتادة أن يهوديًا حلب للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة، فقال: "اللهم جمِّله"، فاسود شعره.
وروى البيهقي في الشعب عن ابن عمر أنه مر برجل فسلم عليه، فقيل: إنه نصراني، فرجع إليه فقال: رد عليَّ سلامي، قال له: نعم قد رددته عليك، فقال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "أكثر الله مالك وولدك".
وروي معناه مرفوعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: إذا دعوتم لأحد من اليهود والنصارى فقولوا: أكثر الله مالك، وولدك.
قال المناوي في فيض القدير في شرح هذا الحديث: يجوز الدعاء للكافر أيضًا بنحو هداية، وصحة، وعافية، لا بالمغفرة {إن الله لا يغفر أن يشرك به} ... وخرج باليهود، والنصارى؛ الذميين أهلُ الحرب، فلا يجوز الدعاء لهم بتكثير المال، والولد، والصحة، والعافية؛ لأنهم يستعينون بذلك على قتالنا. اهـ.
وقال إسماعيل حقي في روح البيان: ولا بأس بالدعاء للكافر، والذمي بما يصلحه في دنياه، قال ابن الملك: الدعاء لأهل الكتاب بمقابلة إحسانهم غير ممنوع؛ لما روي أن يهوديًا حلب للنبي عليه السلام لقحة، فقال عليه السلام: "اللهم جمِّله". فبقي سواد شعره إلى قريب من سبعين سنة. اهـ.
وقال الشيخ حمزة قاسم في منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري في شرح حديث: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. قال: قال ابن العماد: الأولى أن يحمل قوله: "حتى يحب لأخيه" على عموم الأخوة، حتى يشمل الكافر، والمسلم، فيحب لأخيه الكافر ما يحب لنفسه من الدخول في الإسلام؛ ولذلك ندب الدعاء له بالهداية، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لكفار قريش بالخير، ويحبه لهم، ويقول: "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون" ومما يؤكد أن المراد محبة الخير للناس جميعًا، لا فرق بين مسلم وكافر، قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الإيمان أن تحب للناس ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك" أخرجه أحمد في مسنده، ولكن هذا إذا لم يكن في الخير الذي يصيبهم مَضَرَّة للمسلمين، وإلّا دخل ذلك في موالاة أعداء الله. اهـ.
وأما الدعاء بذلك في الصلاة، فلم نطلع على كلام لأهل العلم بخصوص الدعاء للكافر في الصلاة، غير أنهم اختلفوا في مشروعية دعاء المسلم لنفسه في الصلاة بشيء من منافع الدنيا، وملاذها، فيكون للكافر من باب أولى، وقد سبق لنا ذكر الخلاف في الدعاء بملاذ الدنيا في الصلاة، وذلك في الفتويين التالية أرقامهما: 69417، 19525؛ ولذلك نرى أن تحتاط الأخت السائلة فتقتصر في الدعاء لزميلتها هذه بالأمور الدنيوية، كالتوظف، ونحو ذلك، على الدعاء خارج الصلاة.
والله أعلم.