الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالمنهج الصحيح المؤسس على الكتاب والسنة يشتمل على تصحيح الاعتقاد، وتصحيح العبادات والمعاملات، وتهذيب السلوك والأخلاق.
وخير من التزم هذا المنهجَ هم السلف الصالحون من الصحابة، والتابعين، وأتباعهم، ومن أراد السعادة في الدنيا، والنجاة في الآخرة، فليلتزم هذا المنهج بقدر المستطاع.
وقد ادعى أقوام موافقة السلف الصالح أهل السنة والجماعة، ولكنهم اقتصروا على بعض مسائل العلم، وغالوا فيها، وقصَّروا في تحقيق منهج السلف في باب السلوك، والأخلاق، والتعامل بالرحمة، والشفقة على المخالف، وحينئذٍ لا تنفعهم مجرد دعوى الانتساب إلى منهج السلف، ويكون النقص حينئذٍ داخلًا على الأشخاص، لا على أصل المنهج، والذي يجب أن يُقوَّم هو الأشخاص، لا المنهج؛ إذ المنهج -بحمد الله تعالى- محفوظٌ، ومحرَّر.
ومن المعروف أن الصوفية غير الغلاة من أمثال: عبد الواحد بن زيد، والجنيد، وسهل بن عبد الله التُّسْتَري، والسَّري السقطي، ومن لفَّ لفَّهم، واقتفى أثرهم، قد اعتنوا عناية فائقة بقضية السلوك.
وعلى هذا يمكن أن يُفهم كلام الشيخ القرضاوي عن (تصويف السلفية) على أنه يَحُث المنتسبين لمنهج السلف على العناية بتهذيب السلوك، وتحسين الأخلاق، والتزام الآداب، لا أن منهج السلف خلوٌ من هذه الأمور، كما سبق بيانه، وتكون لفظةُ (السلفية) في سياق كلامه اسمَ جنس يصدُق على بعض المنتسبين لها.
ومن أسباب عدم تحقيق بعض المنتسبين للسلفية لمنهج السلف على الوجه الأكمل في زماننا، غياب كثير من القُدوات والمربين الذين يربون تلاميذهم على التحقق بالمنهج في جميع جوانبه، وكذلك الاستعلاء بالعلم والانتفاش به.
ومن هنا كانت نصيحة الشيخ القرضاوي لهؤلاء؛ فإن العلم الحقيقي يكسر النفس، ويزيد الخشية، ويثير الشفقة على المخالف المقصِّر.
والله أعلم.