الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فمن انتكست فطرته وتحرش بأحد محارمه أو ظهر منه ما يُدْخِلُهُ في دائرة الريبة تعينت معاملته كالأجنبي؛ فعلى المرأة أن تعامله معاملة الأجنبي، وقد صرح الفقهاء بأنه إذا خيفت الفتنة بذات المحرم صارت كالأجنبية سدًّا لباب الفتنة، فلا يجوز له أن يخلو بها، ولا يصافحها، ولا يحادثها إلا بالمعروف، ولا يجوز لها الخلوة به، ولا إبداء زينتها له، ويجب أن تتحجب منه؛ قال العلامة السرخسي في المبسوط عن نظر المحرم إلى محارمه ومسه لهن:
إنَّمَا يُبَاحُ الْمَسُّ وَالنَّظَرُ إذَا كَانَ يَأْمَنُ الشَّهْوَةَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا، فَأَمَّا إذَا كَانَ يَخَافُ الشَّهْوَةَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَيْهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ النَّظَرَ عَنْ شَهْوَةٍ وَالْمَسَّ عَنْ شَهْوَةٍ نَوْعُ زِنًا، وَحُرْمَةُ الزِّنَا بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ أَغْلَظُ، وَكَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُعَرِّضَ نَفْسَهُ لِلْحَرَامِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُعَرِّضَهَا لِلْحَرَامِ. اهـ.
وقال الباجي في شرح المنتقى: لا خلاف في منعه -أي النظر إلى أحد المحارم- على وجه الالتذاذ والاستمتاع به. اهـ.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: الأعمام والأخوال محارم للمرأة؛ لها أن تكشف وجهها وكفيها وما جرت العادة بكشفه مما ليس فيه فتنة، وتجوز خلوتها مع أحدهم إلا إذا خشيت منه فتنة، كأن يكون فاسقًا يتجرأ على المحارم، فإنها لا تجوز الخلوة معه حينئذ، وعلى السائلة أن تنصح من رأت منه مخالفة شرعية. اهـ.
وقال الشيخ/ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: إذا كان العم يمازح بنات أخيه ممازحة مريبة فأنه لا يحل أن يأتين إليه، ولا يكشفن وجوههن عنده؛ لأن العلماء الذين أباحوا للمحرم أن تكشف المرأة وجهها عنده، اشترطوا أن لا يكون هناك فتنة، وهذا الرجل الذي يمازح بنات أخيه مزاحا قبيحا معناه أنه يخشى عليهن منه الفتنة، والواجب البعد عن أسباب الفتنة، ولا تستغرب أن أحدا من الناس يمكن أن تتعلق رغبته بمحارمه ـ والعياذ بالله ـ وانظر إلي التعبير القرآني، قال تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا} [النساء:22] وقال في الزنا: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء: 32] وهذا يدل على أن نكاح ذوات المحارم أعظم قبحا من الزنا. وخلاصة الجواب: أنه يجب عليهن البعد عن عمهن وعدم كشف الوجه له، ما دمن يرين منه هذا المزاح القبيح الموجب للريبة. اهـ.
والله تعالى أعلم.