الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاتباع الجنازة فيه الأجر العظيم والثواب الجزيل، فضلا عن كونه من الحقوق الثابتة للمسلم على أخيه المسلم، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ مرفوعا: حق المسلم على المسلم خمس: ردُّ السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس. رواه البخاري ومسلم.
وعنه أيضا ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين. رواه البخاري ومسلم.
واتباع الجنازة الذي يحصل به هذا الأجر الموعود كاملا يقتضي ـ فيما يظهر ـ مرافقتها في كل المراحل إلى أن يتم الدفن، كما جاء في رواية البخاري: من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا، وكان معه حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط.
وعليه؛ فإن كان ما ذكر يقتضي تأخر المشيع عن الجنازة وعدم مرافقته لها إلى المقبرة حتى تدفن فإنه لم يحصل له كامل الأجر الموعود به، فقد جاء في نيل الأوطار للشوكاني ما نصه: قوله : (من شهد) في رواية للبخاري: (من شيع) وفي أخرى له: (من تبع) وفي رواية لمسلم: (من خرج مع جنازة من بيتها ثم تبعها حتى تدفن) فينبغي أن تكون هذه الرواية مقيدة لبقية الروايات، فالتشييع والشهادة والاتباع يعتبر في كونها محصلة للأجر المذكور في الحديث أن يكون ابتداء الحضور من بيت الميت، ويدل على ذلك ما وقع في رواية لأبي هريرة عند البزار بلفظ: (من أهلها) وما عند أحمد من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ: (فمشى معها من أهلها)، ومقتضاه أن القيراط يختص بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة وبذلك جزم الطبري. اهـ
وجاء في الفقه الإسلامي وأدلته: ويتطلب اتباع الجنازة أموراً ثلاثة:
أ ـ أن يصلي عليها: قال زيد بن ثابت: إذا صليت فقد قضيت الذي عليك.
ب ـ أن يتبعها إلى القبر، ثم يقف حتى تدفن، لحديث أبي هريرة: «من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط، وإن شهد دفنها فله قيراطان، القيراط مثل أحد».
جـ ـ أن يقف بعد الدفن، فيستغفر له، ويسأل الله له التثبيت، ويدعو له بالرحمة، فإنه روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه كان إذا دفن ميتاً وقف، وقال: «استغفروا له، واسألوا الله له التثبيت، فإنه الآن يسأل». اهـ
ولمزيد الفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها: 133578، 252469، 24279.
والله أعلم.