الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأفضل ما تقرب به العبد هو أداء ما افترضه الله عليه، كما في الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه.
واختلف العلماء في أفضل العبادات بعد الفرائض، فقيل العلم، وقيل الجهاد، وقيل الصلاة، ورأى شيخ الإسلام -رحمه الله- أن هذا يتفاوت بتفاوت الأشخاص والأحوال.
قال رحمه الله: وَهَذِهِ الثَّلَاثُ -الصلاة، والعلم، والجهاد- هِيَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَفْضَلُ مَا تَطَوَّعَ بِهِ الْإِنْسَانُ الْجِهَادُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَفْضَلُ مَا تَطَوَّعَ بِهِ الصَّلَاةَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: الْعِلْمُ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الثَّلَاثَةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْآخَرين، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا أَفْضَلَ فِي حَالٍ، وَهَذَا أَفْضَلَ فِي حَالٍ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَاؤُهُ يَفْعَلُونَ هَذَا وَهَذَا، وَهَذَا، كُلٌّ فِي مَوْضِعِهِ بحسب الحاجة والمصلحة. انتهى.
وقال -رحمه الله- في موضع آخر: وأما ما سألت عنه من أفضل الْأَعْمَال بعد الْفَرَائِض، فَإِنَّهُ يخْتَلف باخْتلَاف النَّاس فِيمَا يقدرُونَ عَلَيْهِ، وَمَا يُنَاسب أوقاتهم، فَلَا يُمكن فِيهِ جَوَاب جَامع مفصل لكل أحد، لَكِن مِمَّا هُوَ كالإجماع بَين الْعلمَاء بِاللَّه وَأمره، أَن مُلَازمَة ذكر الله دَائِما هُوَ أفضل مَا شغل العَبْد بِهِ نفسه فِي الْجُمْلَة .... إلى أن قال: وعَلى ذَلِك إذا تدبرت لم تَجِد بَين الْأَوَّلين فِي كلماتهم فِي أفضل الْأَعْمَال كَبِير اخْتِلَاف، وَمَا اشْتبهَ أمره على العَبْد فَعَلَيهِ بالاستخارة الْمَشْرُوعَة، فَمَا نَدم من استخار الله تَعَالَى، وليكثر من ذَلِك، وَمن الدُّعَاء؛ فَإِنَّهُ مِفْتَاح كل خير. انتهى.
والله أعلم.