الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإذا لم يترك الميت من الورثة إلا من ذكر: فإن لأمه السدس فرضًا لوجود الفرع الوارث، قال الله تعالى: { ... وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ... } [النساء: 11] ، ولزوجته الثمن فرضًا لوجود الفرع الوارث, قال الله تعالى: { ... فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ... } [النساء: 12]، والباقي للابنين والبنات تعصيبًا؛ للذكر مثل حظ الأنثيين، لقول الله تعالى: { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ... } [النساء: 11]، فتقسم التركة على مائتين وأربعين سهمًا، لأم الميت سدسها (أربعون سهمًا)، ولزوجته ثمنها (ثلاثون سهمًا)، ولكل ابن أربعة وثلاثون سهمًا، ولكل بنت سبعة عشر سهمًا، وهذه صورة المسألة:
الورثة / أصل المسألة | 24 * 10 | 240 |
---|---|---|
أم | 4 | 40 |
زوجة | 3 | 30 |
ابنان 6 بنات |
17 |
68 102 |
ونصيب أمه ينتقل إلى ورثتها، ونصيب زوجته ينتقل إلى ورثتها، ويقسمونه بينهم القسمة الشرعية في الميراث.
ووصية زوجته بأن يُدفَعَ نصيبُها لأبناء الميت الذكور: فإن وصيتها لهم تعتبر وصية لوارث، وهي ممنوعة شرعًا، ولا تمضي إلا برضا بقية ورثتها، ومنهم: بناتها، ومن لم يرض من ورثتها فله أن يأخذ حقه من نصيبها في ميراث زوجها.
وكذا وصية أم الميت بنصيبها لأبناء ابنها إن كانوا وارثين لها بأن لم يوجد من أبنائها المباشرين من يحجب أبناء ابنها؛ فإنها تعتبر وصية لوارث، ويجري فيها ما ذكرناه آنفا، وانظر الفتوى رقم: 170967، والفتوى رقم: 121878، وكلاهما عن الوصية للوارث.
وننبه أخيرًا إلى أن الوصية لا تثبت بمجرد دعوى أولئك الأبناء أن أمهم أو جدتهم أوصت لهم بنصيبها، وإذا ادعى أحد أن الميت أوصى له بشيء من التركة، فإنه يطالب بإقامة البينة على دعواه؛ لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ اَلنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: لَوْ يُعْطَى اَلنَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنِ اَلْيَمِينُ عَلَى اَلْمُدَّعَى عَلَيْهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْه. وَلِلْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: اَلْبَيِّنَةُ عَلَى اَلْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ.
قال الصنعاني في السبل: والحديث دال على أنه لا يقبل قول أحد فيما يدعيه لمجرد دعواه، بل يحتاج إلى البينة، أو تصديق المدعى عليه... اهـ.
والبينة التي تثبت بها الأموال: أقلها رجل وامرأتان، أو رجل ويمين المدعي؛ جاء في المغني لابن قدامة: وَلَا يُقْبَلُ فِي الْأَمْوَالِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَرَجُلٍ عَدْلٍ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ... وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ ثُبُوتَ الْمَالِ لِمُدَّعِيهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ـ وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَشُرَيْحٍ، وَإِيَاسَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، وَرَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَالشَّافِعِيِّ. اهــ. مختصرًا.
والله تعالى أعلم.