الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه حديث صحيح رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما، ولا تعارض بينه وبين الآية المشار إليها، وتوضيح ذلك: أن الحديث ورد لبيان أن دخول الجنة ليس بعمل العبد، وإنما بفضل الله تعالى ورحمته؛ قال الإمام النووي -رحمه الله-: "ومذهب أهل السنة: أن الله تعالى لا يجب عليه شيء، بل العالم ملكه، والدنيا والآخرة في سلطانه، يفعل فيهما ما يشاء، فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين وأدخلهم النار كان عدلًا منه، وإذا أكرمهم ونعَّمهم وأدخلهم الجنة فهو فضل منه، ولو نعَّم الكافرين وأدخلهم الجنة كان له ذلك، ولكنه أخبر -وخبره صدق- أنه لا يفعل هذا، بل يغفر للمؤمنين، ويدخلهم الجنة برحمته، ويعذب المنافقين، ويخلدهم في النار عدلًا منه"
فطاعة العبد وعمله الذي هو سبب في دخوله الجنة إنما هو بتوفيق الله تعالى وتفضله.
وأما الآية: فجاءت لبيان أن العمل لا يقبل إلا إذا توفرت فيه شروط القبول الثلاثة: الإيمان، والإخلاص، والعمل الصالح الموافق للسنة؛ قال خازن في تفسير لباب النقول: "قال بعض السلف الصالح: من لم يكن معه ثلاث لم ينفعه عمله: إيمان ثابت، ونية صادقة، وعمل مصيب. ثم تلا قول الله -عز وجل-: وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا" أي: مقبولا. وقال ابن كثير: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ} أَيْ: أَرَادَ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَمَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ وَالسُّرُورِ {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} أَيْ: طَلَبَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِهِ وَهُوَ مُتَابَعَةُ الرَّسُولِ {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} أَيْ: وَقَلْبُهُ مُؤْمِنٌ، أَيْ: مُصَدِّقٌ بِالثَّوَابِ وَالْجَزَاءِ {فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا"
وبذلك يتضح لك أنه لا تعارض بين الحديث والآية حتى نحتاج إلى الجمع بينهما.
والله أعلم.