الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فللمرأة في الإسلام ذمة مالية مستقلة عن زوجها، فيحرم عليه أن يأخذ من مالها شيئًا سواء كان من راتبها أم من غيره رغمًا عنها؛ لقول النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام.." رواه البخاري، ومسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه." رواه أحمد، والبيهقي، وصححه الألباني.
ولا يجوز للرجل أن يهدد زوجه بالطلاق ليبتزها به لتعطيه شيئًا من مالها، فإن ذلك من سوء المعاشرة، وهو مأمور بمعاشرتها بالمعروف أو مفارقتها بالإحسان، فإن فعل وهددها بالطلاق إن لم تعطه راتبها أثم، وكان المال حرامًا عليه؛ إذ لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه، جاء في مواهب الجليل -وهو من كتب المالكية المعتمدة-: قَالَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ الْبَيَانِ فِي سَمَاعِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ غَانِمٍ: وَسُئِلَ ابْنُ كِنَانَةَ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: إنْ لَمْ تَضَعِي عَنِّي مَهْرَك فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك. فَتَضَعُ ذَلِكَ عَنْهُ. هَلْ تَرَى ذَلِكَ حَلَالًا؟ قَالَ: لَا؛ لِأَنَّهُ خَيَّرَهَا بَيْنَ أَنْ تَضَعَ عَنْهُ مَهْرَهَا وَبَيْنَ أَنْ يَضُرَّهَا، وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } ...
ويقول الشيخ ابن عثيمين لسائلة سألته مثل هذا السؤال: "وإذا قدرنا أن الزوج ضغط عليك وهددك بالطلاق إن لم تعطيه شيئًا لم يكن اشترطه عند العقد فإنه آثم، وما يأخذه سحت محرم عليه." انتهى. من فتاوى نور على الدرب.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: "يجب على الزوج أداء الدين الذي عليه لزوجته، ولا يحل له شيء من مالها إلا بطيبة من نفسها، ولا يحل له أن يماطل بأداء حقها ويهددها بالطلاق إن طلبته؛ لأن هذا ظلم، وأكل لمالها بالباطل."
فإن أخذ راتبها عنوة بغير رضاها أو تحت الإكراه والتهديد، ثم ظفرت بمال له، فلها أن تأخذ منه بقدر ما أخذ منها، ولتحذر أن تزيد عليه.
والله أعلم.