الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما المبلغ الزائد على المسروق فإنه يرده إلى أهل السارق الذين دفعوه، بعد حسم أجرة المحاماة، لأنها تلزم الظالم الذي ألجأ المظلوم إلى الخصومة, والتوكيل فيها، وهذا أولى من تحميل المدين المماطل أجرة الشكاية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا كان الذي عليه الحق قادرًا على الوفاء, ومطل صاحبه حتى أحوجه إلى الشكاية، فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المماطل، إذا كان غرمه على الوجه المعتاد. اهـ. وعلل ذلك البهوتي بقوله في (كشاف القناع): لأنه تسبب في غرمه بغير حق. اهـ. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 74340.
وأما المضبوطات التي وجدت في بيت السارق: فالأصل: براءة الذمة، فتكون له استصحابا للأصل. ويحتمل احتمالا قويا -بل غالبا- أنها هي الأخرى مسروقة، والأصل إذا تعارض مع الغالب فهو محل اجتهاد ونظر، قال العز بن عبد السلام في (قواعد الأحكام): قد يتعارض أصل وظاهر، ويختلف العلماء في ترجيح أحدهما لا من جهة كونه استصحابا, بل لمرجح ينضم إليه من خارج. اهـ.
وقال الدكتور/ مصطفى الزحيلي في (القواعد الفقهية وتطبيقاتها): الأصل: هو القاعدة المستمرة أو الاستصحاب .. والغالب: هو رجحان الظن بما يخالف الأصل، وقد يعبر عنه بالظاهر. فإذا تعارض الأصل، وهو البراءة الأصلية مع الغالب، وهو رجحان الظن بما يخالف الأصل، فأحيانا يقدم الأصل على الغالب بالإجماع .. وأحيانا يقدم الغالب بإجماع .. وأحيانا يكون التعارض بين الأصل والغالب محل اجتهاد، فيغلب الأصل تارة، لترجحه بالظواهر وقرائن الأحوال، وتارة يقدم الغالب لقواعد أخرى في الشريعة ... اهـ.
فإذا أمكن السائل أن يردها إلى الجهات المسئولة لأنها أقدر على التحري، ومعرفة حقيقة الحال، فهذا هو المخرج له. وإذا لم يمكنه, فليجتهد في النظر في حال السارق, ويساره, وإعساره، وهل مثله يمكن أن يقتني هذه المضبوطات أم لا؟ فإذا غلب على ظنه أنها مسروقة, فليحفظها, ويبحث عن أصحابها بقدر المستطاع، ويمكن أن يستعين بالعقلاء من أهل السارق ـ إن وجدوا ـ ليعرفوا منه أصحابها, فترد إليهم.
وعلى أية حال؛ فليس من حق المسروق منه أن يأخذ ما ليس بحقه.
والله أعلم.