الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان واقع أمك معك ما ذكرت فهذا أمر غريب، فالغالب في الأم الشفقة على ابنها، وحذرها من كل ما يمكن أن يوصل إليه الضرر، وقد أحسنت بحرصك على البر بها وإكرامها والإحسان إليها، فهذا شأن المؤمن، فاثبت على ذلك، وفي المقابل احذر كل الحذر من أن تدفعك تصرفات أمك الخاطئة إلى الإساءة إليها، فإساءة الوالد لا تسقط بره، ولا تبيح أذاه، وراجع في فضل بر الوالدين ـ والأم خاصة ـ وفي خطر عقوقهما، الفتوى رقم: 136820، والفتوى رقم: 55048.
وقد ورد الشرع بنهي الوالد عن الدعاء على ولده، وحذر من ذلك تحذيرا شديدا، وسبق بيان النصوص الواردة بهذا الخصوص في الفتوى رقم: 70831. ومن أسوأ ما ذكرت عن أمك سبها لأبيك ودعاؤها عليه، فهذا منكر عظيم، لا سيما وأنه قد مات، وسب الأموات منهي عنه شرعا، كما بينا في الفتوى رقم: 102033.
فنوصيك بالدعاء لأمك، وأن تتضرع إلى الله تعالى أن يلهمها رشدها، فدعاؤك لها من أعظم إحسانك إليها، ولا تيأس، فإن القلوب بيد الرحمن يقلبها كيف يشاء، وراجع في آداب الدعاء الفتوى رقم: 119608.
وأما هجرها، فهجر الوالدين لا يجوز بحال، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 22420، والهجر يكون للمصلحة، والغالب أن لا مصلحة في هجر الوالدين، علما بأن من أهل العلم ـ كابن عثيمين ـ قد ذهب إلى جواز هجرهما إذا تعين طريقا لإصلاحهما فيجوز الهجر حينئذ بقدر الحاجة مع مداومة صلتهما بوسائل أخرى كالإنفاق وغيره، وانظر الفتوى رقم: 135440.
والله أعلم.